والثاني: مصلحة شهد النص المعين بإلغائها كإيجاب صيام شهرين متتابعين كفارة على من جامع من الملوك ومن في حكمهم عمدا في نهار رمضان وهو صائم ولم ير العتق مجزئا لكونه غير رادع لمثله، لسهولته بالنسبة له فهذه مصلحة ملغاة.
والثالث: مصلحة لم يشهد لها نص معين باعتبارها ولا إلغائها ومثلوا لها بإلزام الولاة رعيتهم بدفع ضرائب عند شدة الحاجة إليها، ويسمى هذا القسم بالمصلحة المرسلة، وفي الاحتجاج بها خلاف مشهور بين أئمة الفقهاء فمنهم من اعتبرها ومنهم من ألغاها، ومنهم من اعتبرها إذا كانت واقعة في رتبة الضرورات دون الحاجات والتحسينات.
وذلك أنها تقسم من حيث القوة إلى ثلاث مراتب: واقعة في رتبة الضرورات وواقعة في رتبة الحاجات، وواقعة في رتبة التحسينات، فأقواها الأولى ثم الثانية ثم الثالثة.
وقد ذكر الغزالي (١) تفصيل ذلك وفيما يلي نصه:
الأصل الرابع من الأصول الموهومة: الاستصلاح
وقد اختلف العلماء في جواز اتباع المصلحة المرسلة ولا بد من كشف معنى المصلحة وأقسامها فنقول: المصلحة بالإضافة إلى شهادة الشرع ثلاثة أقسام:
قسم شهد الشرع لاعتبارها.
وقسم شهد لبطلانها.
وقسم لم يشهد الشرع لا لبطلانها ولا لاعتبارها.
أما ما شهد الشرع لاعتبارها فهي حجة ويرجع حاصلها إلى القياس وهو اقتباس الحكم من معقول النص والإجماع، وسنقيم الدليل عليه في القطب الرابع فإنه نظر في كيفية استثمار الأحكام من الأصول المثمرة ومثاله حكمنا أن كل ما أسكر من مشروب أو مأكول فيحرم قياسا على الخمر؛ لأنها حرمت لحفظ العقل الذي هو مناط التكليف فتحريم الشرع الخمر دليل على ملاحظة هذه المصلحة.