للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وأحب أن يدفع عن نفسه ولو قدر عليه لدفعه فما رأيت أعقل منه ونقل مثل هذه الحال عن الشافعي والفضيل بن عياض.

إلا أن حال من يبكي ويخضع مع حضور القلب والوعي الذي هو حال الصحابة أفضل ولأن مثل هذه الأحوال ليست حالا إيمانيا مطلقا بل قد تحصل لبعض الناس ولو كانوا كفارا أو فساقا وذلك لقوة الوارد على القلب مع ضعفه كما يموت بعض الناس فرحا أو حزنا أو عشقا أو خوفا ونحو ذلك، وفصل القول في ذلك أن ذلك أمر مباح مادام سببه مباحا لا تفريط فيه ولا عدوان فإنه والحالة هذه لا ذنب فيما أصابه وإنما حصل من ضعفه وقوة الوارد عليه فلا لوم عليه ولكنها ليست دلالة على الولاية ولا الصلاح لاستواء الناس في ورودها عليهم كما تقدم (١).

٥ - والظاهر والله أعلم أن ظهور التصوف كان نتيجة ردة فعل على إفراط المجتمع في ملذات الدنيا وشهواتها ولا يمنع هذا أنه استغل من طوائف الباطنية والقرامطة والمجوس من أعداء الإسلام حتى وصل إلى حالته الراهنة القائمة على الطرق والإشارات والرموز نتيجة لهذه المؤثرات الخارجية التي يراد بها القضاء على الإسلام وأهله والتي برزت أخيرا عندما شجع المستعمر الطرق الصوفية في سائر البلاد الإسلامية حتى تطفأ جذوة الجهاد في نفوس المسلمين ويعزل الإسلام عن الحياة العامة حتى يكون دينا لاهوتيا علمانيا لا يحكم الحياة ولا يوجه المجتمع وعندئذ تكون الطامة الكبرى ولكن ذلك لن يحصل لأن في ديننا من القوة الذاتية الحركية، ما يجعله يتجاوب وقوانين الحياة العامة والخاصة كما قال تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (٢)


(١) انظر الصوفية والفقراء لابن تيمية ص (١٣، ١٤) مختصر الفتاوى المصرية (٥٦٨، ٥٦٩).
(٢) سورة الصف الآية ٩