للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذين الأمرين يكون الإلهام بترجيح أحد الفرضين على الآخر وبيان أنه هو الحق والصواب وقد يكون مجرد ميل لأحدهما دون الآخر.

وأما إذا كان في الأمور الكونية فقد ينكشف للعبد المؤمن يقينا أو ظنا وإذا تقرر هذا فإن الكشف في الأمور الدينية أولى وأحرى لكن لا بد أن يكون بالدليل الكاشف وقد يكون بدليل ينقدح في قلب العبد لكن لا يستطيع التعبير عنه.

وقد خطأ ابن تيمية الغزالي في إنكاره هذا النوع الأخير من الترجيح بالدليل المنقدح في نفس العبد ولا يستطيع التعبير عنه وذلك أن كثيرا من الناس ينقصهم البيان فقد يلقي في القلب أن هذا الطعام حرام وأن هذا الرجل فاسق أو كافر وإن كان من جهة العمل للجزم لا بد من دليل شرعي في ذلك كله وأنه لا يعمل بمجرد الظن والتخمين وبنى قوله هذا على أن الأدلة لا يجوز أن تتكافأ في واقع الأمر وحقيقته وإن كانت تتكافأ عند الناظر فيجتهد في معرفة أرجحها فإذا بذل جهده في معرفة الحق لم يطلب منه أكثر من ذلك (١).

هذا وابن تيمية عندما يقرر ما تقدم فإنه لا يرى الاعتماد على مجرد ما يحصل في القلب من إرادة بل لا بد من عرض ذلك على الكتاب والسنة ويدل عليه قوله: (فهذا الأمر والنهي الذي يقع في قلب المؤمن مطابق لأمر القرآن ونهيه وبهذا يقوي أحدهما الآخر كما قال سبحانه: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} (٢).

قال بعض السلف في هذه الآية: (هو المؤمن ينطق بالحكمة وإن لم يسمع فيها أثرا فإذا سمع الأثر كان نورا على نور، (٣).


(١) انظر مجموع الفتاوى (١٠/ ٤٧٦، ٤٧٨).
(٢) سورة النور الآية ٣٥
(٣) مجموع الفتاوى (١٠/ ٤٧٥).