للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال الله تبارك وتعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (١) والله سبحانه وتعالى ولي الحق والصواب، وإليه المرجع والمآب، وذلك أني بعدما درست الفنون وعلوم الحديث، وعلوم القرآن، بحمد الرحمن، وقع ورسخ في قلبي أن الذي ألقى في النار سيدنا إبراهيم - عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم - ليس هو نمرود الذي ملك الأرض كلها، كما هو بين الخواص والعوام، والمذكور في التفاسير والتواريخ لعلماء الإسلام، بل ما ألقاه إلا قومه؛ وذلك لأن القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حينما وأيما ذكر هذه القصة يصرح تصريحا بأن الواقعة هذه قد وقعت مع قومه وأبيه؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام، وهو صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا محمد يمنعهم، إلى أن جعل الأصنام جذاذا، وجوز القوم هذا الجزاء بإزاء ما فعل، حيث قال جل شأنه: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} (٢) القصة من سورة الأنبياء وغيرها، فالمباشرين لإجراء هذا الجزاء والمجوزين بعد المشاورة له، ليس إلا قومه، فالسياق والسباق وإرجاع هذه الضمائر إلى القوم لا يصرح تصريحا لا يقبل التأويل إلا بأن الواقعة هذه قد وقعت مع قومه، لا مع نمرود، نعم الواقعة المبينة في قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ} (٣) القصة تدل على أنها وقعت مع نمرود، لا مع القوم، مع أن المعلوم من التاريخ أن نمرود هذا ليس من قوم إبراهيم - عليه الصلاة والتسليم - فإلى جانب سياق القرآن وتصريحه الذي لا يقبل التأويل، وإلى جانب التواريخ والتفاسير وضعاف الأحاديث التي لا تساوي السياق القرآني وتصريحه، فبهذا نشأ القلق والاضطراب، وإني راجعت التفاسير فما وجدت لهذه المعضلة شفاء.

فالمرجو من حضرتكم الجواب الشافي المؤيد بالروايات الصحيحة من


(١) سورة النحل الآية ٤٣
(٢) سورة الصافات الآية ٩٧
(٣) سورة البقرة الآية ٢٥٨