للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - وقال النووي والرملي: وشهادة العدل الواحد: أي إخباره ولو قبل الدعوى بأن فلانا قتله لوث؛ لأنه يفيد الظن وشهادته بأن أحد هذين قتله لوث في حقهما، كما علم مما مر أول الباب، فيعين الولي أحدهما أو كليهما ويقسم، وكذا عبيد أو نساء يعني إخبار اثنين فأكثر أن فلانا قتله، وفي الوجيز أن القياس أن قول واحد منهم لوث، وجرى عليه في الحاوي الصغير فقال: وقول راو، وجزم به في الأنوار وهو المعتمد، وقيل: يشترط تفرقهم لاحتمال التواطؤ، ورد بأن احتماله كاحتمال الكذب في إخبار العدل، وقول فسقة وصبيان وكفار لوث في الأصح؛ لأن اجتماعهم على ذلك يؤكد ظنه. والثاني قال: لا اعتبار بقولهم في الشرع، ولو ظهر لوث في قتيل فقال أحد ابنيه مثلا: قتله فلان، وكذبه الابن الآخر صريحا بطل اللوث، فلا يحلف المستحق لانخرام ظن الصدق بالتكذيب الدال على عدم قتله، إذ جبلة الوارث على التشفي، فنفيه أقوى من إثبات الآخر، بخلاف ما إذا لم يكذبه كذلك بأن صدقه أو سكت أو قال لا أعلم أنه قتله أو قال إنه قتله، وبحث البلقيني أنه لو شهد عدل به بعد دعوى أحدهم خطأ أو شبه عمد لم يبطل اللوث بتكذيب الآخر قطعا، فلمن لم يكذبه أن يحلف معه خمسين يمينا ويستحق، وفي قول لا يبطل كسائر الدعاوى، ورد بما مر من الجبلة هنا، وقيل: لا يبطل بتكذيب فاسق، ويرد بما مر أيضا إذ الجبلة لا فرق فيها بين الفاسق وغيره، ولو عين كل غير معين الآخر من غير تعرض لتكذيب صاحبه أقسم كل الخمسين على ما عينه وأخذ حصته. انتهى (١) ٣ - وقال ابن قدامة: السادس أن يشهد بالقتل عبيد ونساء فهذا فيه عن أحمد روايتان: أحدهما: أنه لوث؛ لأنه يغلب على الظن صدق المدعي في دعواه، فأشبه العداوة، والثاني: ليس بلوث؛ لأنها شهادة مردودة، فلم تكن لوثا، كما لو شهد به الكفار، وإن شهد به فساق أو صبيان فهل يكون لوثا؟ على وجهين: أحدهما: ليس بلوث؛ لأنه لا يتعلق بشهادتهم حكم، فلا يثبت اللوث بها، كشهادة الأطفال والمجانين، والثاني: يثبت بها اللوث؛ لأنها شهادة يغلب على الظن صدق المدعي، فأشبه شهادة النساء والعبيد، وقول الصبيان معتبر في الإذن في دخول الدار، وقبول الهدية ونحوها، وهذا مذهب الشافعي، ويعتبر أن يجيء الصبيان متفرقين؛ لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب، فهذه الوجوه قد ذكر عن أحمد أنها لوث؛ لأنها يغلب على الظن صدق المدعي أشبه العداوة.

وروي أن هذا ليس بلوث، وهو ظاهر كلامه في الذي قتل في الزحام؛ لأن اللوث إنما يثبت بالعداوة بقضية الأنصاري القتيل، ولا يجوز القياس؛ لأن الحكم ثبت بالمظنة، ولا يجوز القياس في المظان؛ لأن الحكم إنما يتعدى بتعدي سببه، والقياس في المظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون والحكم، والظنون تختلف ولا تأتلف، وتتخبط ولا تنضبط، وتختلف باختلاف القرائن والأحوال والأشخاص، فلا يمكن ربط الحكم بها ولا تعديته بتعديها، ولأنه يعتبر في التعدية به والقياس التساوي بين الأصل والفرع في المقتضى، ولا سبيل إلى يقين التساوي بين الظنين مع كثرة الاحتمالات وترددها، فعلى هذه الرواية حكم هذه الصورة حكم غيرها مما لا لوث فيه (٢)

* * *


(١) المنهاج وشرح نهاية المحتاج ج٧ ص ٣٩١ - ٣٩٢. .
(٢) المغني ج٨ ص ٤٩٠. .