للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: الرواية الثانية في المدونة، قال فيها: ولا قسامة في قتيل الصفين، لكن اختلف، فقيل: معنى قوله: لا قسامة إذا عينه الأولياء، وأما إذا عينه المقتول ففيه القسامة، وقيل: لا قسامة عينه المقتول أو الأولياء، وعلى الأول حمل المدونة الأكثر، ووجه ابن عات رواية القسامة بأن وجوده بينهما يغلب على الظن أن قتله لم يخرج عنهما، وذلك لوث، ووجه الرواية الأخرى بأن القسامة لا تكون إلا مع لوث في مشار إليه معين، فإن اللوث إذا تعلق بواحد معين أثر في القسامة، أما إذا تعلق بجماعة على أن القاتل واحد منهم غير معين فلا يؤثر (١) ٢ - وقال الشافعي: إذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل، فادعى أولياؤه على أحد بعينه، أو على طائفة بعينها، أو قالوا: قد قتلته إحدى الطائفتين، ولا يدرى أيتهما قتلته، قيل لهم: إن جئتم بما يوجب القسامة على إحدى الطائفتين أو بعضهم أو واحد بعينه أو أكثر قيل لكم: اقسموا على واحد، فإن لم تأتوا بذلك فلا عقل ولا قود، ومن شئتم أن نحلفه لكم على قتله أحلفناه، ومن أحلفناه أبرأناه، وهكذا إن كان جريحا ثم مات؛ ادعى على أحد أو لم يدع عليه، إذا لم أقبل دعواه فيما هو أقل من الدم لم أقبلها في الدم، وما أعرف أصلا ولا فرعا لقول من قال: تجب القسامة بدعوى الميت، ما القسامة التي قضى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عبد الله بن سهل إلا على خلاف ما قال فيها دعوى ولا لوث من بينة ٣ - وقال ابن قدامة: الثاني: أن يتفرق جماعة عن قتيل فيكون ذلك لوثا في حق كل واحد منهم، فإن ادعى الولي على واحد فأنكر كونه مع الجماعة فالقول قوله مع يمينه، ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي؛ لأن الأصل عدم ذلك إلا أن يثبت بينته (٢).

وقال ابن قدامة: الخامس: أن يقتتل فئتان فيتفرقوا عن قتيل من إحداها: فاللوث على الأخرى، ذكره القاضي، فإن كانوا بحيث لا تصل سهام بعضهم بعضا فاللوث على طائفة القتيل، هذا هو قول الشافعي.

وروي عن أحمد أن عقل القتيل على الذين نازعوهم فيما إذا اقتتلت الفئتان، إلا أن يدعوا على واحد بعينه، وهذا قول مالك، وقال ابن أبي ليلى: على الفريقين جميعا؛ لأنه يحتمل أنه مات من فعل أصحابه، فاستوى الجميع فيه، وعن أحمد في قوم اقتتلوا فقتل بعضهم، وجرح بعضهم: فدية المقتولين على المجروحين تسقط منها دية الجراح، وإن كان فيهم من لا جرح فيه فهل عليه من الديات شيء؟ على وجهين ذكرهما ابن حامد (٣)


(١) إكمال إكمال المعلم ج٤ ص٤٠١ ويرجع أيضا إلى المنتقى ج٧ ص٥٦. .
(٢) المغني ج٨ ص٤٨٩. .
(٣) المغني ج٨ ص٤٨٩ - ٤٩٠. .