للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عنده، فبعث إليه بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء (١)».

وعورض هذا الحديث أولا بما روى أبو داود عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عبد الرحمن بن بجيد بن قبطي أحد بني حارثة، قال محمد بن إبراهيم وايم الله ما كان سهل بأعلم منه، ولكنه كان أسن منه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «احلفوا على ما لا علم لكم به، ولكنه كتب إلى يهود حين كلمته الأنصار " أنه وجد بين أبياتكم قتيل فدوه " فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه، ولا يعلمون له قاتلا، فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢)».

وقد أجاب ابن قدامة -رحمه الله- عن ذلك فقال: ولنا حديث سهل، وهو صحيح متفق عليه، ورواه مالك في موطئه، وعمل به، وما عارضه من الحديث لا يصح لوجوه:

أحدها: أنه نفي فلا يرد به قول المثبت.

والثاني: أن سهلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - شاهد القصة وعرفها، حتى أنه قال ركضتني ناقة من تلك الإبل، والأخرى يقول برأيه وظنه من غير أن يرويه عن أحد، ولا حضر القصة.

والثالث: أن حديثنا مخرج في الصحيحين متفق عليه، وحديثهم بخلافه.

الرابع: أنهم لا يعملون بحديثهم ولا حديثنا، فكيف يحتجون بما هو حجة عليهم فيما خالفوه فيه (٣) وعورض حديث سهل ثانيا بما جاء في البخاري من رواية سعيد بن عبيد: فقال لهم: «"تأتون بالبينة على قتله " قالوا: ما لنا بينة، قال: " فيحلفون " قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة (٤)».

وما جاء في البخاري من رواية أبي قلابة، وفيه قال: «" أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه " فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون، قال: " أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم " قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه من عنده (٥)».

وأجاب ابن حجر عن هذا الاعتراض بعد ذكره لمجموعة من الروايات فيها تقديم تحليف المدعين، قال: كذا في رواية سعيد بن عبيد لم يذكر عرض الأيمان على المدعين، كما لم يقع في رواية يحيى بن سعيد طلب البينة أولا، وطريق الجمع أن يقال: حفظ أحدهم ما لم يحفظه الآخر، فيحمل على أنه طلب البينة أولا فلم تكن لهم بينة، فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم (٦) وقال أيضا: وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد المذكورة في حديث الباب بقول أهل الحديث: إنه وهم من رواية من أسقط من السياق تبرئة المدعين


(١) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١١)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٢) صحيح البخاري الأحكام (٧١٩٢)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي كتاب القسامة (٤٧١٠)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢١)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣)، موطأ مالك القسامة (١٦٣٠)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٣).
(٣) المغني ج٨ ص٤٩٥، ٤٩٦. .
(٤) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٨)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٦٩)، سنن الترمذي الديات (١٤٢٢)، سنن النسائي القسامة (٤٧١٥)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٣)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٧٧).
(٥) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩).
(٦) فتح الباري ج١٢ ص٢٣٤.