للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألسنتهم، ويقال لهم النبط بفتحتين، والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية، وإنما سموا بذلك؛ لمعرفتهم بإنباط الماء: أي استخراجه؛ لكثرة معالجتهم الفلاحة. وقيل: هم نصارى الشام، وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام. ويدل على هذا قوله: (من أنباط الشام) وقيل: هم طائفتان: طائفة اختلطت بالعجم ونزلوا البطائح، وطائفة اختلطت بالروم ونزلوا الشام. قوله: (فنسلفهم) بضم النون وإسكان السين المهملة وتخفيف اللام من الأسلاف، وقد تشدد اللام مع فتح السين من التسليف. قوله: (ما كنا نسألهم عن ذلك) فيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه، وذلك مستفاد من تقريره صلى الله عليه وسلم مع ترك الاستفصال. قال ابن رسلان: (وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه). قوله: (وما نراه عندهم) لفظ أبي داود (إلى قوم ما هو عندهم) أي: ليس عندهم أصل من أصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول الأجل، فذهب إلى جوازه الجمهور قالوا: (ولا يضر انقطاعه قبل الحلول). وقال أبو حنيفة: (لا يصح فيما ينقطع قبله، بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل). ووافقه الثوري والأوزاعي، فلو أسلم في شيء فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور. وفي وجه للشافعية ينفسخ. واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود «عن ابن عمر أن رجلا أسلف رجلا في نخل، فلم يخرج تلك السنة شيئا، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "بم تستحل ماله، اردد عليه ماله" ثم قال: "لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه"، (١)» وهذا نص في التمر، وغيره قياس عليه. ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى، لأنه صريح في الدلالة على المطلوب، بخلاف حديث عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى، فليس فيه إلا مظنة التقرير منه صلى الله عليه وسلم، مع ملاحظة


(١) صحيح البخاري السلم (٢٢٤٨)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٦٧)، موطأ مالك البيوع (١٣٤٤).