للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأربعة. أما الشافعية فإنهم قالوا في تثبيت علتهم الشبهية: إن الحكم إذا علق باسم مشتق دل على أن ذلك المعنى الذي اشتق منه الاسم هو علة الحكم مثل قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (١). فلما علق الحكم بالاسم المشتق- وهو السارق- علم أن الحكم متعلق بنفس السرقة. قالوا: وإذا كان هذا هكذا، وكان قد جاء في حديث سعيد بن عبد الله أنه قال: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الطعام بالطعام مثلا بمثل (٢)». فمن البين أن الطعم هو الذي علق به الحكم. وأما المالكية فإنها زادت على الطعم: إما صفة واحدة وهو الادخار على ما في الموطأ، وإما صفتين وهو الادخار والاقتيات على ما اختاره البغداديون، وتمسكت في استنباط هذه العلة بأنه لو كان المقصود الطعم وحده لاكتفى بالتنبيه على ذلك بالنص على واحد من تلك الأربعة الأصناف المذكورة، فلما ذكر منها عددا علم أنه قصد بكل واحد منها التنبيه على ما في معناه، وهي كلها يجمعها الاقتيات والادخار. أما البر والشعير فنبه بهما على أصناف الحبوب المدخرة، ونبه بالتمر على جميع أنواع الحلاوات المدخرة، كالسكر والعسل والزبيب، ونبه بالملح على جميع التوابل المدخرة لإصلاح الطعام، وأيضا فإنهم قالوا: لما كان معقول المعنى في الربا إنما هو أن لا يغبن بعض الناس بعضا وأن تحفظ أموالهم، فواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات. وأما الحنفية فعمدتهم في اعتبار المكيل والموزون أنه صلى الله عليه وسلم لما علق التحليل باتفاق الصنف واتفاق القدر، وعلق التحريم باتفاق الصنف واختلاف القدر في قوله صلى الله عليه وسلم لعامله بخيبر من حديث أبي سعيد وغيره: «إلا كيلا بكيل، يدا بيد (٣)» رأوا أن التقدير- أعني: الكيل أو الوزن- هو المؤثر في الحكم كتأثير الصنف، وربما احتجوا بأحاديث ليست مشهورة فيها تنبيه قوي على اعتبار الكيل أو الوزن. منها أنهم رووا في بعض


(١) سورة المائدة الآية ٣٨
(٢) صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٠١).
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢٢٠٢)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٨٤)، سنن الترمذي البيوع (١٢٤١)، سنن النسائي البيوع (٤٥٦٥)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٥٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٨١)، موطأ مالك البيوع (١٣٢٤).