للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(روى ذلك عن أحمد جماعة)، ونحو هذا قال الشافعي، فإنه قال: (العلة الطعم، والجنس شرط). والعلة في الذهب والفضة جوهرية الثمنية غالبا، فيختص بالذهب والفضة؛ لما روى معمر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل (١)» رواه مسلم. ولأن الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان، والثمنية وصف شرف، إذ بها قوام الأموال، فيقتضي التعليل بهما، ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات، لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النساء.

والرواية الثالثة: العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا، فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن، كالتفاح، والرمان، والخوخ، والبطيخ، والكمثرى، والأترج، والسفرجل، والأجاص، والخيار، والجوز، والبيض، ولا فيما ليس بمطعوم، كالزعفران، والأشنان، والحديد، والرصاص، ونحوه. ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب، وهو قديم قولي الشافعي، لما روي عن سعيد بن المسيب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ربا إلا فيما كيل أو وزن، مما يؤكل أو يشرب» أخرجه الدارقطني، وقال: (الصحيح أنه من قول سعيد، ومن رفعه فقد وهم). ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف أثرا، والحكم مقرون بجميعها في المنصوص عليه، فلا يجوز حذفه. ولأن الكيل والوزن والجنس لا يقتضي وجوب المماثلة، وإنما أثره في تحقيقها في العلة ما يقتضي ثبوت الحكم لا ما تحقق شرطه، والطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به؛ لعدم المعيار الشرعي فيه، وإنما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل والوزن، ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلا، وفي الموزون وزنا، فوجب أن يكون الطعم معتبرا في المكيل والموزون، دون غيرهما. والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها، وتقييد كل واحد منها


(١) صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٠١).