للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجد فيه من القراءات فهي كلها تنزيل من حكيم حميد، ليس تعددها عن تحريف أو تبديل ولا لبس في معانيها ولا تناقض في مقاصدها ولا اضطراب، بل بعضها يصدق بعضا ويبين مغزاه، وقد تتنوع معاني بعض القراءات فيفيد كل منها حكما يحقق مقصدا من مقاصد الشرع ومصلحة من مصالح العباد مع اتساق معانيها وائتلاف مراميها وانتظامها في وحدة تشريع محكمة كاملة لا تعارض بينها ولا تضارب فيها.

فمن ذلك ما ورد من القراءات في الآية التي ذكرها السائل وهي قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} (١) فقد قرئ ونخرج بضم النون وكسر الراء، وقرئ يلقاه بفتح الياء والقاف مخففة، والمعنى: ونحن نخرج للإنسان يوم القيامة كتابا هو صحيفة عمله يصل إليه حال كونه مفتوحا فيأخذه بيمينه إن كان سعيدا وبشماله إن كان شقيا، وقرئ "يلقاه منشورا " بضم الياء وتشديد القاف، والمعنى: ونحن نخرج للإنسان يوم القيامة كتابا هو صحيفة عمله، يعطى الإنسان ذلك الكتاب حال كونه مفتوحا، فمعنى كل من القراءتين يتفق في النهاية مع الآخر، كأن من يلقى إليه الكتاب فقد وصل إليه، ومن وصل إليه الكتاب فقد ألقي إليه.

ومن ذلك قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (٢) قرئ يكذبون بفتح الياء وسكون


(١) سورة الإسراء الآية ١٣
(٢) سورة البقرة الآية ١٠