وأحل الحلال، وحرم الحرام، إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه، ويسن لهم فيتبعونه، حتى توفاه الله، واختار له ما عنده صلوات الله عليه ورحمته وبركاته. ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته، ممن ولي الأمر من بعده، فما نزل بهم مما علموا أنفذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم، وحداثة عهدهم، وإن خالفهم، مخالف أو قال امرؤ: غيره أقوى منه وأولى، ترك قوله وعمل بغيره.
ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل، ويتبعون تلك السنن، فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرا معمولا به، لم أر لأحد خلافه؛ للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون: هذا العمل ببلدنا، وهذا الذي مضى عليه من مضى منا، لم يكونوا من ذلك على ثقة، ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم. فانظر رحمك الله فيما كتبت إليك فيه لنفسك، واعلم أني أرجو أن لا يكون دعاني إلى ما كتبت به إليك إلا النصيحة لله تعالى وحده، والنظر لك، والظن بك، فأنزل كتابي منك منزلته، فإنك إن فعلت تعلم أني لم آلك نصحا، وفقنا الله وإياك لطاعته، وطاعة رسوله في كل أمر، وعلى كل حال، والسلام عليكم ورحمة الله).