للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحق على أن الخلافة لا يستحقها مولى قريش، ولا حليفهم، ولا ابن أخت القوم، وإن كان منهم. والقسامة في العمد والخطأ سواء -فيما ذكرنا- فيمن يحلف فيها، ولا فرق. انتهى المقصود (١).

وقال أيضا: كم يحلف في القسامة؟ اختلف الناس في هذا.

فقالت طائفة: لا يحلف إلا خمسون، فإن نقص من هذا العدد واحد فأكثر: بطل حكم القسامة، وعاد الأمر إلى التداعي.

وقال آخرون: إن نقص واحد فصاعدا ردت الأيمان عليهم حتى يبلغوا اثنين، فإن كان الأولياء اثنين فقط بطلت القسامة في العمد، وأما في الخطأ فيحلف فيه واحد خمسين، وهو قول روي عن علماء أهل المدينة المتقدمين منهم.

وقال آخرون: يحلف خمسون، فإن نقص من عددهم واحد فصاعدا ردت الأيمان عليهم، حتى يرجعوا إلى واحد، فإن لم يكن للمقتول إلا ولي واحد بطلت القسامة، وعاد الحكم إلى التداعي، وهذا قول مالك.

وقال آخرون: تردد الأيمان، وإن لم يكن إلا واحد فإنه يحلف خمسين يمينا وحده، وهو قول الشافعي. وهكذا قالوا في أيمان المدعى عليهم: أنها تردد عليهم وإن لم يبق إلا واحد، ويجبر الكسر عليهم، فلما اختلفوا وجب أن ننظر: فوجدنا من قال بترديد الأيمان من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: أن في كتاب لعمر بن عبد العزيز أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «قضى في الأيمان أن يحلف الأولياء، فإن لم يكن عدد عصبته تبلغ خمسين رددت الأيمان عليهم بالغا ما بلغوا».

ومن طريق ابن وهب أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب، قال: «قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمسين يمينا، ثم يحق دم المقتول إذا حلف عليه، ثم يقتل قاتله، أو تؤخذ ديته، ويحلف عليه أولياؤه -من كانوا قليلا أو كثيرا- فمن ترك منهم اليمين ثبتت على من بقي ممن يحلف، فإن نكلوا كلهم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا: ما قتلناه، ثم بطل دمه، وإن نكلوا كلهم عقله المدعى عليهم ولا يطل دم مسلم إذا ادعي إلا بخمسين يمينا».

قال أبو محمد -رحمه الله -: هذا لا شيء؛ لأنهما مرسلان، والمرسل لا تقوم به حجة: أما حديث عمر بن عبد العزيز ففيه: أن يحلف الأولياء، وهذا لا يقول به الحنفيون؛ فإن تعلق به المالكيون، والشافعيون قيل للمالكيين: هو أيضا حجة عليكم؛ لأنه ليس فيه أن لا يحلف إلا اثنان. وأيضا فليس هو بأولى من المرسل الذي بعده من طريق ابن وهب، وهو مخالف لقول جميعهم؛ لأن فيه: إن نكل الفريقان عقله المدعى عليهم ولا يقول به مالكي، ولا شافعي، وفيه القود بالقسامة، ولا يقول به حنفي، ولا شافعي، وفيه ترديد الأيمان جملة دون تخصيص أن يكونا اثنين كما يقول مالك. . . (٢)


(١) المحلى ج١١ ص٨٩ - ٩١.
(٢) المحلى ج١١ ص٩١ - ٩٢.