للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجر على شخص في ملك نفسه.

وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه لا يرى الحجر على الحر، وكذا عند أبي يوسف ومحمد إلا أن يكون الحجر على قوم بأعيانهم؛ لأنه إذا لم يكن على قوم بعينهم - أي مجهولين - لا يكون حجرا، بل يكون فتوى في ذلك (١).

وقد نص الحنفية على أنه: (إذا كان البائع يخاف إن نقص عن التسعير ضربه الإمام، لا يحل للمشتري الشراء بما سعره الإمام؛ لأنه في معنى المكره. وطريق الخلاص أن يقول له: بعني بأي شيء، فحينئذ بأي شيء باعه يحل) (٢).

وبهذا يتضح أن التسعير - في اجتهادهم - غير ملزم للبائع؛ لأن بيعه صحيح، وإنما جعل لتبصير الناس بالثمن المعقول.

وفي رأينا أن مخالفة التسعير - إذا توافرت شروطه - محرمة قطعا، إذ المفروض أن التسعير قد تعين وسيلة لصيانة حق المسلمين عن الضياع، ومنعا للظلم عنهم، وهذا واجب شرعا، فوسيلته التي تفضي إليه ينبغي أن تكون واجبة بالضرورة، لا جائزة فحسب، أو ودية لمجرد التبصير والتوعية؛ لأن في إجازة الحنفية للتجار أن يخالفوا عن أمر التسعير، تعني: أنهم بذلك قد أخلوا بالمنطق التشريعي المتسق الذي يوجب الربط والتلازم بين المقدمة ونتيجتها حتى لا تضيع الثمرة من تطبيق القاعدة الفقهية المعروفة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، ولا سيما إذا كان الأمر متعلقا بالصالح


(١) تبيين الحقائق، للزيلعي ج٦ ص٢٨، والهداية ج٨ ص١٢٧.
(٢) الاختيار للموصلي ج٣ ص١١٦.