سادسا: جاء في الصفحة التاسعة من البحث اعتراض الراهوني على ما ذكره الأبي عن القاضي عياض في شرحه رواية مسلم «فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم (١)»، مع أن في الحديث حجة لمن يجيز للمتمتع نحر هديه بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلى آخره حيث ذكر الرهوني أن لديه نسخة عتيقة مظنونا فيها الصحة وليس فيها جواز نحر هدي المتمتع بعد التحلل من العمرة وإنما ذكر فيها جواز تقليد الهدي قبل الإحرام بالحج إلى آخر ما ذكره الرهوني.
ويمكن مناقشة ذلك بما يلي:
أ - إن عبارة القاضي عياض في جواز نحر الهدي قبل الإحرام بالحج قد تناقلها شيوخ كبار في مذهب الإمام مالك فقد نقلها عنه الأبي والسنوسي والدسوقي والبناني ومحمد عابد فلم يعترض عليها واحد منهم بل احتج بها بعضهم على رد تأويلات بعض شراح مختصر خليل في قوله وأجزا (أي دم التمتع) قبله (أي قبل يوم النحر) حينما قال بعضهم: إن المقصود بذلك تقليد الهدي وإشعاره لا ذبحه.
ب - (إن احتجاج الرهوني لدعواه التصحيف بما لديه من نسخة يدعي قدمها والوثوق بها فيه نظر، ولو سلم له احتجاجه لكان ذلك من أقصر الطرق لرد آراء العلماء وأقوالهم بإنكار نسبتها إليهم بالتصحيف فيما كتب عنهم، ثم هل يمكن أن تكون نسخة الرهوني هي الصحيحة الثابتة دون ما عداها مما لدى شيوخه وشيوخهم، إن العكس هو القريب الممكن المعقول.
ج - (إن اللجنة أيدت دعوى التصحيف بما ذكره بأن اللخمي ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر وهذه الحجة ليست أكثر عجبا من سابقتها فإن عدم ذكر الشخص الشيء لا يعني نفيه من الوجود واللخمي كغيره من العباد ينطبق عليه القول:" علمت شيئا وغابت عنك أشياء ".
على أن المرء يقف حائرا في تكييف وجه الخلاف بين علماء المذهب المالكي في جواز تقليد الهدي وإشعاره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلا أن يكون المراد بذلك مآل التقليد والإشعار وهو الذبح حسبما يفهم من التمثيل على جواز ذلك بقياسه على تقديم الكفارة قبل الحنث والزكاة قبل الحول وأن ذلك مما تقتضيه السنة توسعة في جميع ذلك فإن اقتضاء السنة التوسعة على العباد لا يعني الحرج وإيجاد العسر والمشقة في رعاية الهدي المقلد والمشعر حتى يأتي يوم النحر فينحر فإن الحاج في شغل عنه بتهيئة أسباب حجه من زاد وراحلة وغير ذلك وإنما التوسعة عليه في إراحته من ملازمته ورعايته بذبحه بعد وجوبه، ولا شك