ما يتعلق بعظمة هذه الشريعة ومحاسنها ورعايتها لمصالح العباد في أمر المعاش والمعاد لطال بنا المقام كثيرا، ولكن هذه إشارة قليلة تكفي اللبيب في التعرف على عظمة هذه الشريعة، ورعايتها لأحوال العباد ومصالحهم في الحاضر والمستقبل.
ومن ذلك أيضا ما جاء في هذه الشريعة من الأمر بالتوبة؛ لأن فيها إصلاح الماضي والعافية من شره، وقد كان من توبة بعض الماضين قتل النفوس، فرحم الله هذه الأمة وجعل توبتهم الندم والإقلاع، والعزيمة على عدم العودة إلى السيئة، مع رد المظالم إلى أهلها، هذا من إحسان الله ورحمته - جل وعلا - لهذه الأمة، وهذا من محاسن هذه الشريعة أن جعلت لك أيها الإنسان فرجا ومخرجا من ذنوبك وسيئاتك بالتوبة النصوح والاستغفار والرجوع إليه - عز وجل - والعمل الصالح.
ومن تأمل هذه الشريعة في مواردها ومصادرها ونظر ما جاءت به من الأحكام العظيمة العادلة، والإحسان إلى الخلق، ورعاية الفقراء والمحاويج والصغار والكبار وغيرهم - حتى البهائم اعتنت بها الشريعة وحرمت ظلمها والتعدي عليها - عرف أنها شريعة من حكيم حميد خبير بأحوال عباده عليم بما يصلحهم، وعرف أيضا أنها من الدلائل القاطعة على وجوده سبحانه وتعالى وكمال قدرته وحكمته وعلمه، وعلى صدق رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول الله حقا.
وهكذا من نظر في ما جاءت به الشريعة من رعاية في أحوال العباد أغنيائهم وفقرائهم، ملاكهم وعمالهم، حكامهم ومحكومهم، أفرادهم وجماعاتهم، قد راعتهم جميعا وجعلت لهم أحكاما مبنية على المصلحة، والعدالة والإنصاف، والإحسان والرحمة، فهذه الشريعة كلها مصالح، كلها حكم، كلها هدى، كلها عدل، وكل شيء خرج