للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهدي عن بلوغ محله دل ذلك على أن الحل ليس بمحل له، فإن قيل: فإن لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ذبحوا الهدي في الحل فما معنى قوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (١) قيل له: لما حصل أدنى منع جاز أن يقال إنهم منعوا، وليس يقتضي ذلك أن يكون أبدا ممنوعا، ألا ترى أن رجلا لو منع رجلا حقه جاز أن يقال: منعه حقه، كما يقال: حبسه، ولا يقتضي ذلك أن يكون أبدا محبوسا، فلما كان المشركون منعوا الهدي بديا من الوصول إلى الحرم جاز إطلاق الاسم عليهم بأنهم منعوا الهدي عن بلوغ محله وإن أطلقوا، ألا ترى أنه قد وصف المشركين بصد المسلمين عن المسجد الحرام، وإن كانوا قد أطلقوا إليهم بعد ذلك الوصول إليه في العام القابل، وقال الله - عز وجل -: {قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} (٢) وإنما منعوه في وقت وأطلقوه في وقت آخر، فكذلك منعوا الهدي بديا ثم لما وقع الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينهم أطلقوه حتى ذبحه في الحرم، وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساق البدن ليذبحها بعد الطواف بالبيت فلما منعوه من ذلك قال الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (٣) لقصوره عن الوقت المقصود فيه ذبحه، ويحتمل أن يريد به المحل المستحب فيه الذبح وهو عند المروة أو بمنى، فلما منع ذلك أطلق ما فيه ما وصفت. وقد ذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم، وأن مضرب النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) سورة الفتح الآية ٢٥
(٢) سورة يوسف الآية ٦٣
(٣) سورة الفتح الآية ٢٥