للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقوم أحكام المعاملات في هذه الشريعة على أساس حرية التعامل في البيع والشراء والأخذ والعطاء، وسائر العقود والتصرفات، ما دام التعامل جاريا بين الناس على وفق ما جاءت به الشريعة من أحكام وقواعد ونظم.

وبناء على هذا المبدأ منعت الشريعة الدولة _ ممثلة في ولي الأمر وأعوانه _ من القيام بكبت هذه الحرية وتعطيلها، أو تقييدها والحد منها، ما دام التعامل جاريا على الوجه الذي أشرنا إليه آنفا.

ولكن إذا أسيء استخدام هذه الحرية، وتعسف الناس في استعمال حقوقهم، لتحقيق المصالح الذاتية لهم، فخرجت بذلك تصرفاتهم ومعاملاتهم عن السنن المشروع فأضرت بالناس، أو استغلت حاجتهم، فأرهقتهم وأثقلت عليهم حياتهم، فإن الشريعة تبيح للدولة حينئذ أن تتدخل في هذه الحالة، لحمل الناس على الجادة المستقيمة في تصرفاتهم ومعاملاتهم، وإلزامهم بالعودة إلى الطريق المشروع الذي لا يضر بأحد، أو يستغل حاجة أحد، أو يعنت أحدا، وذلك لأن الشريعة التي قامت على رعاية المصالح وحرية التعامل لا تسمح لمصلحة فرد أو طائفة أن تطغى - في ضوء هذه الحرية - على مصلحة الجماعة فتعطلها، أو تنقص منها، أو تقلل من شأنها، وذلك تغليبا لمصلحة الجماعة على مصلحة الفرد وترجيحا للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

ومن الأمثلة الحية على ذلك موقف الشريعة من تسعير السلع والبضائع على التجار، فإن التجار إذا تغالوا في البيع فباعوا بأزيد من القيمة الحقيقية لهذه السلع، وتواطؤوا على ذلك، أو احتكروا السلع والبضائع وحبسوها عن الناس، ليحملوهم على الشراء بالسعر الذي يريدونه، فإن الشريعة توجب على ولي الأمر أن يتدخل للحد من حرية هؤلاء التجار، فيقوم بالتسعير العدل الذي لا وكس فيه ولا شطط على أحد من الناس وذلك رفعا للضرر عن جمهور الأمة.

وفي هذا البحث نعالج الموضوع في خمسة فصول على وجه يتضح منه موقف الشريعة الرائع الذي يحقق مصلحة الأمة، بائعين ومشترين، تجارا ومستهلكين.

ففي الفصل الأول من هذا المبحث نبين معنى التسعير وحكمه، فنذكر آراء الفقهاء وأدلتهم والراجح من هذه الآراء، ثم نتبع ذلك برأي شيخ الإسلام ابن تيمية في التسعير.

وفي الفصل الثاني نبين آراء الفقهاء وأدلتهم والراجح منها في أجور العقارات وأجور الأشخاص ذوي الحرف والصناعات، متبعين ذلك برأي شيخ الإسلام ابن تيمية في تسعير هذه الأجور.

وفي الفصل الثالث نبين حكم البيع بأنقص من سعر السوق، فنبين آراء الفقهاء وأدلتهم في ذلك وما نراه راجحا من هذه الآراء.

وفي الفصل الرابع نتناول بالبحث ما يراه الفقهاء من تنظيمات يجب على ولي الأمر اتباعها عند قيامه