للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جـ ١٥: للعلماء في الآية الكريمة قولان: أحدهما: أنها وأمثالها منسوخات بآية السيف، وهي قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١)، وما جاء في معناها مثل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (٢) والقول الثاني: أنها في أهل الكتاب ومن في حكمهم، كالمجوس إذا سلموا الجزية فإنهم لا يكرهون على الدخول في الإسلام؛ لقول الله - عز وجل -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٣)، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر.

وبذلك يعلم أنه ليس فيها حجة لمن زعم عدم وجوب الجهاد في سبيل الله.

ويدل على هذا المعنى أيضا حديث بريدة بن الحصيب، المخرج في صحيح مسلم، وفيه أن «النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرا، وفي آخره قال: فإن هم أبوا - أي الكفار - الدخول في الإسلام فاسألهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم (٤)».

وهذا محمول على أهل الكتاب، ومن في حكمهم، كالمجوس


(١) سورة التوبة الآية ٥
(٢) سورة الأنفال الآية ٣٩
(٣) سورة التوبة الآية ٢٩
(٤) صحيح مسلم الجهاد والسير (١٧٣١)، سنن الترمذي السير (١٦١٧)، سنن أبو داود الجهاد (٢٦١٢)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٥٨)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٥٨)، سنن الدارمي السير (٢٤٣٩).