للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان العرب في جاهليتهم أسلم الأمم، من غوائل الانحراف وعوادي الفساد، في الطبائع والنفس والأخلاق والسلوك، مع وجود ظواهر من هذا القبيل لا تنكر، إلا أنها - على كل حال - لا تقاس بالمفاسد والانحرافات، التي كانت عليها الأمم الأخرى، والتي وصل بها الحد إلى إباحة نكاح الأم والأخت، وتقديم الزوجة للضيف، بل وعبادة الفرج والنار، واتخاذ الزنا والبغاء سنة محمودة ووضعا سائدا لا يستنكر، بل إن حال العرب الجاهليين - في أخلاقهم وسلوكياتهم وعاداتهم وشعائرهم - هو أسلم بكثير من حال كثير من الأمم التي تعيش على ظهر الأرض اليوم، وتدعي أنها بلغت من التقدم والحضارة والرقي، ما تفخر به على باقي أمم الأرض، وتتيه وتختال.

وهذا ما يفسر قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: «إن الله عز وجل خلق الخلق، فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم (٢)».


(١) سورة الأنعام الآية ١٢٤
(٢) ذكره ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٥)، تحقيق محمد حامد فقي، الطبعة الثانية، مكتبة السنة المحمدية، وذكره محب الدين الخطيب في كتابه (مع الرعيل الأول ص (١٩)، الطبعة السابعة ١٣٩٩ هـ، وقال: (قال الحافظ العراقي: وهو حديث حسن، أخرجه الحاكم في المستدرك، ورواه من غير هذا الإسناد أيضا، وروي نحوه من حديث أبي هريرة، ورواه الطبراني في الأوسط وقال: حديث صحيح)