للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا كان من تمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له، وامتحانه، ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته من رحمته به، لكن العبد لجهله وظلمه يتهم ربه بابتلائه، ولا يعلم إحسانه تعالى إليه بابتلائه وامتحانه.

فمن رحمته سبحانه بعباده: ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، فهو الغني الحميد، ولا بخلا منه عليهم بما نهاهم عنه، فهو الجواد الكريم.

ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم.

ومن رحمته بهم: أن حذرهم نفسه، لئلا يغتروا به، يعاملوه بما لا تحسن معاملته به، كما قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (١).

قال غير واحد من السلف: من رأفته بالعباد، حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به (٢).

والرحمة صفة من صفات الله ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣).


(١) سورة آل عمران الآية ٣٠
(٢) إغاثة اللهفان ٢/ ١٦٩ - ١٧٥.
(٣) سورة الحديد الآية ٢٨