للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويعطي الله السلطان والجاه - مع رحمته - فإذا هي أداة إصلاح، ومصدر أمن، ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر. ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما، ومصدر طغيان وبغي بهما، ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار، ولا يستمتع بجاه ولا سلطان، ويدخر بهما للآخرة رصيدا ضخما من النار.

والعلم الغزير، والعمر الطويل، والمقام الطيب. كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال. . مع الإمساك ومع الإرسال. . وقليل من المعرفة يثمر وينفع، وقليل من العمر يبارك الله فيه. وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة.

والجماعات كالآحاد. والأمم كالأفراد، في كل أمر وفي كل وضع، وفي كل حال. . ولا يصعب القياس على هذه الأمثال، ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله؛ فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك، ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة. ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة، وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة، والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها، أو يأسك منها، أو شكك فيها، وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبدا، قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (١).

ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال. وجدها إبراهيم - عليه السلام - في النار، ووجدها يوسف - عليه


(١) سورة يوسف الآية ٨٧