للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيرته - صلى الله عليه وسلم - يرى ما حصل له من فتنة وبلاء أشد من هذا، كالحصار في الشعب، ووفاة عمه أبي طالب، وزوجه خديجة وغير ذلك، ولكنه كان صابرا محتسبا، كما ابتلي نبي الله نوح بكفر قومه واستهزائهم به مع طول لبثه فيهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (١) فهذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: ابتلي النبيون قبلك بالكفار فصبروا (٢)، كما ابتلي نوح بابنه وفلذة كبده، حيث كان ممن أعرض عن دعوته، كما هو مذكور في سورة هود. كما ابتلي بزوجته حيث خانته، كما في سورة التحريم، وكذلك ابتلي نبي الله إبراهيم عليه السلام بقومه الذين لم يقبلوا دعوته، وحاولوا الانتقام منه ولكن الله أنجاه فقال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (٣). ومما ابتلي به كذلك إعراض أبيه عن الاستجابة لدعوة التوحيد.

ونبي الله لوط ابتلي بقوم لا يعبأون بأمر الله مستهزئون به وبدعوته، حيث أتوا أمرا عظيما لم يسبقهم إليه أحد، قال تعالى عنهم: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (٤).


(١) سورة العنكبوت الآية ١٤
(٢) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١٣/ ٣٣٢، وانظر زاد السير لابن الجوزي ٦/ ٢٦١.
(٣) سورة العنكبوت الآية ٢٤
(٤) سورة العنكبوت الآية ٢٩