ووجه الاستدلال من هذه القصة أن عمر بن الخطاب أمر حاطبا بالبيع بسعر السوق أو القيام منه، مما يدل على مشروعية الإلزام بالبيع بسعر السوق وعدم النقص عنه.
ويجاب عن ذلك بأن هذه القصة جاءت في رواية أخرى عن الشافعي أن عمر بن الخطاب بعدما أمر حاطبا بالرفع من السوق ذهب إليه في داره، وقال له:" إن الذي قلت لك ليس بعزمة مني ولا قضاء، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع ".
ومن هذا يتبين لنا أن عمر رضي الله عنه عندما أمر حاطبا بالبيع بسعر السوق وعدم النقص عنه إنما كان اجتهادا منه، ثم تراجع عن موقفه عندما تبين له خطؤه.
ثانيا: أن بيع أحد التجار بسعر يقل عن سعر السوق ربما يؤدي إلى الخصومة والمنازعة بينه وبين أهل السوق من التجار.
ويجاب عن ذلك بأن وقوع الخصومة والمنازعة بسبب البيع بسعر أقل من سعر السوق؛ إنما هو مجرد احتمال ولو حدث فإن لولي الأمر سلطة القضاء على الخصومات والمنازعات.
ثالثا: أن التجار قد يضطرون إلى مجاراة البائع الذي يبيع بأقل من سعر السوق فيؤدي ذلك إلى خسارتهم.
ويجاب عن ذلك بأن التاجر الذي يبيع بأقل من سعر السوق إذا كان يبيع بأقل من ثمن المثل فسوف يزول من السوق بسبب خسارته، أما إذا كان يبيع بزيادة قليلة على ثمن المثل (أي أنه يقنع بربح قليل) فإن التجار إذا جاروه في ذلك يكون فيه مصلحة لعامة الناس.
* * *
الرأي الثاني
يرى أصحاب هذا الرأي أن البيع بأقل من سعر السوق فيه مصلحة لعامة الشعب من المستهلكين؛ لأنه يضطر بقية التجار إلى خفض أسعارهم مما يؤدي إلى رخص الأسعار بصفة عامة فيعم الرخاء وهذه مصلحة كبرى، والإلزام بالبيع بسعر السوق قضاء على هذه المصلحة فلا يجوز.
وقد يقال إن الذي يبيع بأقل من سعر السوق يقصد الإضرار بأهل السوق من التجار وذلك بإفلاسهم.
ويجاب عن ذلك بأن فردا واحدا أو بضعة أفراد لا يتمكنون من إفلاس جميع التجار، ولو فرض تحقق ذلك وظهر هذا القصد وجب على ولي الأمر التدخل والإلزام بسعر السوق.
وقد يقال أيضا بأن البيع بأقل من سعر السوق ربما يمنع الجالبين عن الجلب؛ لأنهم إذا علموا بمن يبيع برخص امتنعوا عن جلب بضائعهم.