للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا يمكننا أن نلخصها فيما يأتي:

١ - جمال المظهر وحسن الزي على الطريقة التي تتناسب مع الوضع الشرعي:

وإنما كان هذا الأمر مطلوبا؛ لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ولأن الخلق مجبولون على تعظيم الصور الظاهرة، والمفتي مطلوب منه أن يعمل ما يجعله عظيما في قلوب العامة حتى يقتدوا به، ويستنيروا بأقواله، ولهذا كان اتصافه بهذا الأمر قربة لله ينال بها الثواب حيث قصد بذلك التوسل إلى تنفيذ الحق وهداية الخلق (١) ولهذا قال عمر (رضي الله عنه): " أحب إلى أن أنظر القارئ أبيض الثياب. أي ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق " (٢).

ويدخل في هذا الأمر اتصافه بالسكينة والوقار، وظهوره بمظهر الاحتشام والأدب؛ فإن ذلك مما يؤدي إلى أن يرغب المستمع في قبول ما يقول " (٣)، ومما يكون سببا فيما يقصده من وصول القول الحق إلى العامة وعملهم به.

٢ - البداءة بالنفس في كل خير يفتي به: فذلك أمر مطلوب من المفتي؛ إذ هو علامة صدقه في فتواه، وهو السبيل لوضع البركة في قوله، وتيسير قبوله في نفوس مستمعيه، ولذا نجد القرآن يعتبر في الصدق مطابقة القول والفعل، وفي الكذب مخالفته له، وذلك كقول الله (تعالى):

{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (٤) ويقول (تعالى): {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} (٥) {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (٦) {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (٧) وقد سلك الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا المسلك، فجاءت أقواله مطابقة لأفعاله، وسيرته ممتلئة بالشواهد لذلك.

ومنها ما أخرجه " مسلم " من أن «عمر بن أبي سلمة " سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن تقبيل الصائم.

فقال له: " سل هذه (لأم سلمة) فأخبرته أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يفعل ذلك، فقال: يا رسول الله: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.


(١) القرافي، الأحكام، ص٢٧١
(٢) المصدر نفسه، والصفحة نفسها
(٣) الآمدي، الأحكام في أصول الأحكام، ٤/ ٢٢٢
(٤) سورة الأحزاب الآية ٢٣
(٥) سورة التوبة الآية ٧٥
(٦) سورة التوبة الآية ٧٦
(٧) سورة التوبة الآية ٧٧