للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٧ - مراعاة العرف والعادة؛ إذ إن اختلافهما له أثر في اختلاف الحكم (١):

وهذا يستوجب من المفتي أن يسأل - أول ما يسأل _ المستفتي - حين يجهل بلده عنها، وعن عرف أهلها في مثل هذا اللفظ، وعلى ضوء ذلك يجيب عما سأله " وهذا (السؤال من المفتي) أمر متعين واجب لا يختلف فيه العلماء، وأن العادتين متى كانتا في بلدين ليستا سواء، أن حكمهما ليس سواء " (٢).

وأما حين يكون اللفظ صريحا في مدلوله من جهة اللغة، فقد اختلف العلماء في مراعاة العرف في ذلك، حيث يكون له مدلول غير مدلول اللغة، فقيل: يقدم المدلول اللغوي للفظ، وقيل يقدم العرف عليه، وقد رجح الإمام القرافي (٣) تقديم العرف قائلا: " والصحيح تقديمه؛ لأنه ناسخ، والناسخ مقدم على المنسوخ إجماعا، فكذلك هاهنا ".

٨ - التريث في الفتوى حين يشتمل اللفظ على بعض الملابسات التي تجعل المفتي يغلب على ظنه أن صيغة السؤال لا تعبر عن حقيقة الواقع تماما:

وذلك كأن يكون السائل عاميا لا يدري مدلول اللفظ، فنجده يطلق اللفظ الصريح على غير مدلوله، ويأتي باللفظ الخاص على مدلول عام، فينبغي للمفتي إذا غلب على ظنه أن مثل ذلك لا يقع له، أن يتأنى في شأن الفتيا حتى يتفقد قرائن أحوال المستفتي، وحتى ينكشف له واقع الحال، فيفتيه في ضوء ما تبين له، لا في حدود ما أطلقه من لفظ، وإن لم يصل المفتي إلى كشف الواقع، فلا يحل له أن يفتيه (٤).

ومن الملابسات التي تجعل المفتي يغلب على ظنه أن صيغة السؤال لا تعبر عن حقيقة الواقع، أن يكون المسئول عنه ما مثله لا يسأل عنه، فالغالب على الظن حينئذ أنه يقصد بالسؤال أمر لو صرح به، لامتنعت الفتيا به، ولهذا ينبغي للمفتي أن يتأنى في الفتيا، ويستكشف حال المستفتي ويبحث عن حقيقة سؤاله.

ويروي لنا القرافي (٥)، قصة حصلت له، تمثل ذلك أتم التمثيل، فيقول: " ولقد سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة: هل يجوز أم لا؟ فارتبت وقلت له: ما أفتيك حتى تبين لي: ما المقصود بهذا الكلام؟ فإن كل أحد يعلم أن عقد النكاح بالقاهرة جائز، فلم أزل به حتى قال: إنا أردنا أن نعقده خارج القاهرة فمنعنا؛ لأنه استحلال، فجئنا للقاهرة (فعقدناه)، فقلت له: هذا لا يجوز بالقاهرة، ولا بغيرها ".

٩ - النصح والشفقة على المستفتي: ولذلك صور كثيرة، ووجوده متعددة؛ إلا أن أبرزها دلالته على الأمر المباح، وتوجيهه للطريق المستقيم، وذلك حين يستفتي عن أمر محرم فيمنعه المفتي منه وحاجته


(١) القرافي، الأحكام، ص٢٤٩
(٢) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(٣) المصدر نفسه والصفحة نفسها.
(٤) المصدر نفسه، ص٢٤٤، ٢٤٦، ٣٥٢.
(٥) لمصدر نفسه، ص٢٥٢، ٢٥٣