للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن جرير: " أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين - قال ابن عبد البر - كأنه يعني أن الشافعي أول من رده " (١).، اهـ. قلت: ويستغرب من ابن جرير ادعاؤه إجماع التابعين على قبول المرسل، وكذا ادعاؤه عدم ورود إنكاره عن أحد من الأئمة قبل الشافعي، فقد رد المرسل سعيد بن المسيب، وهو من كبار التابعين، وابن سيرين والزهري وابن مهدي وابن القطان والأوزاعي وشعبة وغير واحد، فكيف يجوز أن يدعي بأن الشافعي هو أول من رده!!! ولهذا قال في توجيه النظر: " وقد انتقد بعضهم قول من قال: إن الشافعي أول من ترك الاحتجاج بالمرسل، فقد نقل ترك الاحتجاج عن سعيد بن المسيب وهو من كبار التابعين، ولم ينفرد هو بذلك بل قال به من بينهم ابن سيرين والزهري، وقد ترك الاحتجاج بالمرسل ابن مهدي ويحيى القطان وغير واحد ممن قبل الشافعي.

والذي يمكن نسبته إلى الشافعي في أمر المرسل هو زيادة البحث عنه والتحقيق فيه " (٢).، اهـ. وقال ابن الأثير: " والناس في قبول المراسيل مختلفون، وأما أهل الحديث قاطبة أو معظمهم، فإن المراسيل عندهم واهية غير محتج بها، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل، وهو قول ابن المسيب والزهري والأوزاعي ومن بعدهم من فقهاء الحجاز. . " (٣).، اهـ. قلت: إطلاق ابن الأثير القول في حكم الشافعي غير جيد كما ستراه إن شاء الله تعالى في مرسل كبار التابعين.

والسبب الذي حدا بهؤلاء الأئمة إلى رد المرسل ما قاله الإمام السخاوي - رحمه الله -: " من وجود الصفات المذمومة فيما بعد الصحابة رضي الله عنهم من القرنين، لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فإن ذلك أكثر فيهم وأشهر، وقد روى الشافعي عن عمه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي بي، وذلك أني أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدث عمن أثق به، أو أسمعه من رجل أثق به قد حدث به عمن لا أثق به _ وهذا كما قال ابن عبد البر: يدل على أن ذلك الزمان - أي زمان الصحابة والتابعين كان يحدث فيه الثقة وغيره، ونحوه ما أخرجه العقيلي من حديث ابن عون قال: ذكر أيوب السختياني لمحمد بن سيرين حديثا عن أبي قلابة، فقال: أبو قلابة رجل صالح ولكن عمن ذكره أبو قلابة؟ ومثل هذا حديث عاصم عن ابن سيرين قال: كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة بعد. وأعلى من هذا ما رويناه في الحلية من طريق ابن مهدي عن ابن لهيعة أنه سمع شيخا من الخوارج يقول بعدما تاب: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم - فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا. اهـ، قال السخاوي: ولذا قال شيخنا: إن هذه - والله - قاصمة الظهر للمحتجين بالمرسل، إذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الإسلام. والصحابة متوافرون ثم في عصر التابعين فمن بعدهم وهؤلاء إذا استحسنوا أمرا جعلوه حديثا وأشاعوه، فربما سمع الرجل الشيء فحدث به، ولم يذكر من حدثه به تحسينا للظن فيحمله عنه غيره، ويجيء الذي يحتج بالمقاطع فيحتج به مع كون أصله ما ذكرت ولا حول ولا قوة إلا بالله (٤). .


(١) توجيه النظر ص٢٤٥
(٢) توجيه النظر ص٢٤٥
(٣) جامع الأصول ١: ٩٤
(٤) فتح المغيث ١: ١٣٧ - ١٣٨