للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممن يروون عنه، والآخر: أنهم توجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه، والآخر: كثرة الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه. وقد خبرت بعض من خبرت من أهل العلم فرأيتهم أتوا من خصلة وضدها، رأيت الرجل يقنع بيسير العلم ويريد ألا أن يكون مستفيدا إلا من جهة، قد يتركه من مثلها أو أرجح، فيكون من أهل التقصير في العلم، ورأيت من عاب هذه السبيل ورغب في التوسع في العلم من دعاه ذلك إلى القبول عمن لو أمسك عن القبول عنه كان خيرا له، ورأيت الغفلة قد تدخل على أكثرهم فيقبل عمن يرد مثله وخيرا منه، ويدخل عليه فيقبل عمن يعرف ضعفه إذا وافق قولا يقوله، ويرد حديث الثقة إذا خالف قولا يقوله، ويدخل على بعضهم من جهات، ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة فيها. قال: فلم فرقت بين التابعين المتقدمين الذين شاهدوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من شاهد بعضهم دون بعض؟ فقلت: لبعد إحالة من لم يشاهد أكثرهم، قال: فلم لا تقبل المرسل منهم ومن كل فقيه دونهم؟ قلت: لما وصفت، قال: وهل تجد حديثا تبلغ به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد من أهل الفقه به؟ قلت: نعم، أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر «أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي مالا وعيالا، وإن لأبي مالا وعيالا، وإنه يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك (١)».

قال محمد بن المنكدر: عندكم غاية في الثقة، قلت: أجل والفضل في الدين والورع، ولكنا لا ندري عمن قبل هذا الحديث، وقد وصفت لك الشاهدين يشهدان على الرجل فلا تقبل شهادتهما حتى يعدلاهما أو يعدلهما غيرهما، قال: فتذكر من حديثكم مثل هذا؟ قلت: نعم، أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة (٢)»، فلم نقبل هذا لأنه مرسل. ثم أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وابن شهاب عندنا إمام في الحديث والتخيير وثقة الرجال، إنما يسمي بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم خيار التابعين، ولا نعلم محدثا يسمي أفضل ولا أشهد ممن يحدث عنه ابن شهاب، قال: فأنى تراه أتى في قبوله عن سليمان بن أرقم، رآه رجلا من أهل المروءة والعقل فقبل عنه وأحسن الظن به فسكت عن اسمه إما لأنه أصغر منه، وإما لغير ذلك، وسأله معمر عن حديثه فأسنده له، فلما أمكن في ابن شهاب أن يكون يروي عن سليمان مع - ما وصفت به ابن شهاب - لم يؤمن مثل هذا على غيره. . . (٣) اهـ. فقد ذكر الشافعي - رحمه الله - سبب رده لمرسل صغار التابعين، كونهم أشد تجوزا ممن يروون عنهم، وضعف مخرج ما أرسلوه، وكثرة الإحالة، وهذه الخصال الثلاثة أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه، كما أنه قرر أن بعض من توسع في العلم يروي عن أناس لو أمسك عن الأخذ عنهم كان خيرا له. ثم يقرر شناعة مرسل


(١) أخرجه ابن ماجه عن جابر وهو ضعيف والطبراني في الكبير عن سمرة وابن مسعود، وأخرج أحمد شاهديه له بسندين صحيحين وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو والشافعي في الرسالة مرسلا.
(٢) أخرجه الدارقطني. وانظر نصب الراية ١: ٤٧ - ٥٣ فقد ذكر روايات هذا الحديث المرسل ومن خرجها.
(٣) الرسالة ص٤٦٥ - ٤٧٠.