في علة منع التفاضل والنساء في الذهب والفضة، أعني أن كونهما رءوسا للأثمان، وقيما للمتلفات، هو عندهم علة منع النسيئة إذا اختلف الصنف، فإذا اتفقا منع التفاضل، والحنفية تعتبر في المكيل قدرا يتأتى فيه الكيل، وسيأتي أحكام الدنانير والدراهم بما يخصها في كتاب الصرف، وأما هاهنا فالمقصود هو تبيين مذاهب الفقهاء في علل الربا المطلق في هذه الأشياء، وذكر عمدة دليل كل فريق منهم.
فنقول: إن الذين قصروا صنفي الربا على هذه الأصناف الستة فهم أحد صنفين: إما قوم نفوا القياس في الشرع، أعني: استنباط العلل من الألفاظ وهم: الظاهرية، وإما قوم نفوا قياس الشبه، وذلك أن جميع من ألحق المسكوت هاهنا بالمنطوق به، فإنما ألحقه بقياس الشبه لا بقياس العلة، إلا ما حكي عن ابن الماجشون أنه اعتبر في ذلك المالية وقال: علة منع الربا إنما هي حياطة الأموال، يريد منع العين.
وأما القاضي أبو بكر الباقلاني فلما كان قياس الشبه عنده ضعيفا، وكان لقياس المعنى عنده أقوى منه اعتبر في هذا الموضع قياس المعنى؛ إذ لم يتأت له قياس علة، فألحق الزبيب فقط بهذه الأصناف الأربعة؛ لأنه زعم أنه في معنى التمر، ولكل واحد من هؤلاء- أعني من القائسين- دليل في استنباط الشبه الذي اعتبره في إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به من هذه الأربعة، أما الشافعية فإنهم قالوا في ثبيت علتهم الشبهية: إن الحكم إذا علق باسم مشتق دل على أن ذلك المعنى الذي اشتق منه الاسم هو علة الحكم، مثل قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}(١).