والليث إلى أن السلم فيهما جائز، وهو قول ابن عمر من الصحابة، وقال أبو حنيفة والثوري وأهل العراق: لا يجوز السلم في الحيوان، وهو قول ابن مسعود، وعن عمر في ذلك قولان، وعمدة أهل العراق في ذلك ما روي عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان»، وهذا الحديث ضعيف عند الفريق الأول، وربما احتجوا أيضا بنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
وعمدة من أجاز السلم في الحيوان ما روي عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفذت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلاص الصدقة، فأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة (١)». وحديث أبي رافع أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا. قالوا: وهذا كله يدل على ثبوته في الذمة.
فسبب اختلافهم شيئان: أحدهما: تعارض الآثار في هذا المعنى، والثاني: تردد الحيوان بين أن يضبط بالصفة أو لا يضبط، فمن نظر إلى تباين الحيوان في الخلق والصفات، وبخاصة صفات النفس، قال: لا تنضبط، ومن نظر إلى تشابهها قال: تنضبط، ومنها اختلافهم في البيض والدر وغير ذلك، فلم يجز أبو حنيفة السلم في البيض، وأجازه مالك بالعدد، وكذلك في اللحم أجازه مالك والشافعي، ومنعه أبو حنيفة، وكذلك السلم في الرءوس والأكارع أجازه مالك، ومنعه أبو حنيفة، واختلف في ذلك قول الشافعي، وكذلك السلم في الدر والفصوص أجازه مالك ومنعه الشافعي، وقصدنا من هذه المسائل إنما هو الأصول الضابطة
(١) سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٧١).