الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
ج: أخبر الله تعالى بني إسرائيل وبين لهم في الكتاب الذي أنزله إليهم أنهم سيفسدون في الأرض، ويتجبرون فيها، ويطغون على الناس مرتين، فإذا وقعت الإفسادة الأولى منهم سلط الله عليهم جندا من خلقه شديدي البأس، ذوي قوة وعدة وجبروت فتغلبوا عليهم وتملكوا بلادهم، وجاسوا خلال ديارهم، وساروا بين بيوتهم؛ عقوبة لهم على طغيانهم، وكان ذلك من الله تعالى قضاء مبرما عدلا من الله وحكمة، حتى إذا تاب بنو إسرائيل وأنابوا إلى الله، جعل الله سبحانه الكرة لهم على هؤلاء الجبارين، وأدالهم ونصرهم على عدوهم، واستردوا منهم بلادهم، وأمدهم بأموال وبنين، وجعلهم أكثر نفيرا؛ جزاء لهم على توبتهم وإحسانهم، رحمة من الله وفضلا، فمن أحسن فله الإحسان، ومن أساء فعليها.
فإذا جاء وعد الآخرة فوقعت منهم الإفسادة الثانية طغيانا وتجبرا؛ سلط الله عليهم من يسومونهم سوء العذاب، ويدخلون مسجد بيت المقدس كما دخلوه أول مرة، ويدمروا ما شاء الله أن يدمروه، جزاء وفاقا بطغيانهم وإفسادهم في الأرض، وعدلا منه تعالى وحكمة، قال الله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}(١)، ثم أخبرهم سبحانه بأنهم إن عادوا إلى الإفساد