للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاختلاف الناشئ عن الاستنباط الشرعي، جاءت نتائجه رحمة بالأمة وتوسعة عليها، وإلا لما أقره صلى الله عليه وسلم للجيش الذي ذهب لبني قريظة، والخلاف وجد في الأحكام الشرعية، مع أن الحق -تبارك وتعالى- قد وعد بحفظ هذا الدين، ولا مخلف لوعده سبحانه.

قال المناوي: (اختلافهم توسعة على الناس بجعل المذاهب كشرائع متعددة، بعث النبي صلى الله عليه وسلم بكلها؛ لئلا تضيق بهم الأمور من إضافة الحق الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم، ولم يكلفوا ما لا طاقة لهم به؛ توسعة في شريعتهم السمحة، فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة، وفضيلة جسيمة، خصت بها هذه الأمة) (١).

والتوسعة ليست على المجتهد عند استنباطه للحكم؛ لأنه مكلف باتباع الحق لا التيسير على نفسه.

وما ورد من النهي عن الاختلاف بقوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (٢)، وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (٣)، فالمفسرون ذكروا أن الخلاف المنهي عنه هو الاختلاف على الرسل، فلو خالف إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قوله مردود عليه.


(١) فيض القدير ج ١ ص ٢٠٩، وانظر شرح السنة للبغوي ١/ ٢٢٩، ٢٣٠.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٠٥
(٣) سورة آل عمران الآية ١٠٣