للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السائل المستفيد: إن الخالق سبحانه كما لم يحتج إلى عمال يساعدونه، فهو بغير حاجة إلى شريك أو شركاء يخلقون معه الكون ويدبرونه، لأن قدرته ومشيئته، وعلمه وحكمته، لا يخرج عن دائرتها أي ممكن من الممكنات، ومن كان كذلك فهو بغير حاجة إلى شريك في هذا الملكوت، فلا يصح فرض وجوده حتى لا يكون إلها وخالقا عاطلا ليس له عمل، لعدم الحاجة إليه، فضلا عن أنه لو كان له شريك لفسد الكون، كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (١). ولتوضيح ذلك نقول: لا يخلو أمر هؤلاء الآلهة من أن يكونوا مؤتلفين أو مختلفين، فإن فرض أنهم مؤتلفون، وأن لكل واحد منهم قدرة وعلما وتدبيرا ومشيئة تماثل الآخرين - كما يقول بعض أهل الكتاب - وأن كل واحد منهم قادر على خلق الكون وتدبيره وحده، فأي حاجة إلى تعددهم مع كفاية واحد منهم لذلك، إن العقل يجزم بأن تعددهم حينئذ عبث، والعبث على الإله الخالق محال، فوجب أن يكون الإله واحدا.

* وإن فرض أن كل واحد منهم قادر على خلق بعض هذا الكون، ولكنه عاجز عن خلق باقي أجزائه، فلهذا تعددوا ليتعاونوا على خلقه كله، ومثل ذلك كمثل مهندسين يقومون بإنشاء مصنع، أحدهم يقوم بالبناء ما يتصل به، وثانيهم يقوم بإنشاء آلاته وتركيبها، وثالثهم يقوم بعمل الكهرباء، وبهذا يتم بناء المصنع، ويؤدي ما أنشئ من أجله.

* والجواب على هذا أن إبداع الكون ليس كإنشاء المصنع، حتى يقاس عليه، فالبناء في المصنع قائم بذاته، وآلاته قائمة بذاتها، وكذلك الكهرباء، ولذا يمكن أن يقام المصنع في أرض دون بناء حوله، وكل من البناء والكهرباء يستعمل في غير المصنع، أما الكون فمرتبط بعضه ببعض، لا يستغني جزء فيه عن غيره، ولذا تجد العناصر فيه واحدة في أرضه وسمائه، ونجد بعضها مرتبطا ببعض بقانون التناسب، فما لم يعلم الخالق ما في كل جزء من الكون من مناسبة للجزء الآخر في الخصائص، ويقدر على خلق جميع أجزائه، وربط بعضها ببعض على وجه يؤدي إلى ما نراه فيه من نظام وإحكام، فإنه لا يستطيع باشتراكه مع غيره التوصل إلى خلقه، لأنه لا يعرف ما يناسبه، ومن أجل ذلك لا يقدر على ربط ما يصنعه بغيره، فلهذا يستحيل أن يخلق هذا الملكوت العظيم آلهة عاجزون على هذا النمط المفروض.

* أما إن فرض اختلاف هؤلاء المتعددين، فإن ذلك يؤدي إلى تعارضهم، فهذا يريد أن يخلق هذا الكوكب - مثلا - وذاك لا يريد، وهذا يريد أن يخلق إنسانا وذاك لا يريد، فهل تعتقد أنه من الممكن تحقيق هذا التعارض؟ بأن يخلق الكوكب ولا يخلق، ويخلق الإنسان ولا يخلق، هل تعتقد أنه يمكن اجتماع النقيضين؟ فإن قلت: كلا، قلت: إذن يستحيل وجود عديد من الآلهة مختلفين، ألا ترى أنه يترتب على اختلافهم تنازعهم في الألوهية، ومحاربة كل منهم للآخر، ومحاولة إفساد ما صنع، وهل هذا


(١) سورة الأنبياء الآية ٢٢