لو ترك الإنسان لفطرته ولم يؤثر عليه أهل السوء، لانصرف إلى الإيمان بالله وبصفات الكمال الواجبة له، فهذا أعرابي كان يسوق ناقة في ليل داج، والسماء صافية الأديم والفجاج أمامه فسيحة، فإذا فكره الفطري يتنقل بين عظمة السماء والأرض وآياتهما، ثم يقول بفطرته: البعرة تدل على البعير، وآثار السير على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على إله عليم، قادر حكيم.
وهذا زيد بن عمرو بن نفيل نظر في هذا الكون العظيم، فاهتدى إلى خالقه، ورفض ما عليه قومه من الوثنية، وجعل يقول:
تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني غنم أزور
ولا هبلا أزور وكان ربا ... لنا في الدهر إذ حلمي صغير
ويقصد زيد بن عمرو بابنتي العزى صنمي اللات ومناة، وكان هبل أعظم أصنام مشركي مكة، وكان على صورة إنسان، أدركته قريش ويده مكسورة، فجعلوا له يدا من ذهب، كما جاء في كتاب الأصنام للكلبي.
وبعد. . . فهذه عجالة يسيرة في التعريف بالخالق جل وعلا، كتبتها لأولي الألباب بأسلوب سهل ميسر، خال عما جرى عليه القدامى من العبارات الفنية المعقدة، ومشتمل على حوار خفيف يمنع الملل ويستدعي مواصلة القراءة، رجوت به أن يزداد المؤمن إيمانا، وينقشع الريب عمن أصابته ظلمة، والله الهادي إلى سواء السبيل.