من دفع المضار. . . وجلب المنفعة يكون في الدنيا والدين. . . فمن قصر المصالح على العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال - الخمسة - ليحفظ الجسم فقط فقد قصر.
وهذا فصل عظيم ينبغي الاهتمام به، فإن من جهته حصل في الدين اضطراب عظيم، وكثير من الأمراء والعلماء والعباد رأوا مصالح فاستعملوها بناء على هذا الأصل، وقد يكون منها ما هو محظور في الشرع ولم يعلموه، وربما قدم على المصالح المرسلة كلاما بخلاف النصوص، وكثير منهم أهمل مصالح يجب اعتبارها شرعا بناء على أن الشرع لم يرد بها، ففوت واجبات ومستحبات، أو وقع في محظورات ومكروهات، وقد يكون الشرع ورد بذلك، وحجة الأول: أن هذه مصلحة والشرع لا يهمل المصالح بل قد دل الكتاب والسنة والإجماع على اعتبارها، وحجة الثاني: أن هذا أمر لم يرد به الشرع نصا ولا قياسا، والقول بالمصالح يشرع من الدين ما لم يأذن به الله غالبا، وهي تشبه من بعض الوجوه مسألة الاستحسان والتحسين العقلي والرأي ونحو ذلك. . . لكن بين هذه فروق.
والقول الجامع: أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا حدثنا به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك. لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد بها فأحد أمرين لازم له: إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر، أو أنه ليس