وإن أول من تكلم بالمجاز - بمعناه الاصطلاحي، الذي هو نقيض الحقيقة - المعتزلة والجهمية ومن تبعهم من أهل الكلام، اشتهر القول به عنهم بعد المائة الرابعة للهجرة، وليس من بين من قال به منهم علم من أعلام الإسلام الذين يوثق بهم في فن من فنون الإسلام المختلفة كالتفسير، أو الحديث، أو الفقه، أو علم أصول الفقه، أو اللغة العربية.
فدل! هذا كله: على أن القول بالمجاز، إنما هو بدعة اعتزالية محضة، وصنعة كلامية صرفة، اجتهد في نشرها، والتبشير بها، وتدعيم أصولها، ووضع قواعدها، بعد المائة الرابعة؛ لتحقيق أغراض مستورة، تلتقي في نهايتها، للعمل على زعزعة أصول هذا الدين، والنيل من ثوابته، وصرف الناس عن فهم هذه الأصول وتلكم الثوابت الفهم السليم السديد، مواكبة في ذلك كله لبدعة أخرى، ظهرت هي الأخرى متزامنة معها، موافقة لها، في المصدر والنشأة، والمنهج والغرض، ألا وهي: بدعة التأويل.
هذا. . علما بأنه لو كان في القول بالمجاز والتأويل، أدنى ذرة خير، أو أدق شعرة فضل، لكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة أسبق الناس إليه، باعتبارهم السباقين أبدا إلى كل خير وفضل، لا أن يكون سباقا إليه أعلاج علم الكلام، وصيارفة البدع، ومتنطعوا مذهب الاعتزال.