للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيأ له ميسر له، فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهادا في فعلها والقيام بها.

وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه من كون الحرث سببا في وجود الزرع، والنكاح سببا في وجود النسل، وكذلك العمل الصالح سبب في دخول الجنة، والعمل السيء سبب في دخول النار. وقد فقه هذا كل هذا الفقه من قال من الصحابة لما سمع أحاديث القدر: "ما كنت بأشد اجتهادا مني الآن".

والتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل، ولكن من تمام التوكل: عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها (١).

وقد يبدو لأول وهلة أن إثبات الأسباب يقدح في التوكل وأن نفيها تمام التوكل والصحيح عكس ذلك تماما.

فالأسباب محل حكمة الله وأمره ودينه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية.

والتجرد من الأسباب جملة ممتنع عقلا وشرعا وحسا، وما أخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الأسباب، وقد


(١) مدارج السالكين (٢/ ١١٨ - ١٢٠).