ولا يلزم من التدبر في الآيات أن يعرف المتدبر معناها، فإذا بذل وسعه وجهده، وأعمل فكره وذهنه فقد تدبر، فإن فهم المعنى فبها ونعمت، وإن اشتبه عليه المعنى ولم يظهر له المراد قال: آمنا به كل من عند ربنا، وهذا هو لشأن الراسخين في العلم.
ولا يعني التدبر ضرورة القول فيما يتدبره من آية أو آيات ما لم يكن قوله عن علم. فإذا لم يؤد به تدبره إلى رأي أو علم صحيح بدليل صحيح، فلا يصح له القول بغير علم قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(١).
إذا تقرر هذا فإن العلماء رحمهم الله تعالى - تدبروا في حركات القرآن الكريم وكلماته، وجمله، وآياته، وسوره، وفواصله، وفواتحه، وخواتمه، ومناسباته، ومواضع عديدة منه، فوقفوا على بحور لا سواحل لها، وأخرجوا كنوزا من كنوزه، ودررا من درره، ولا يزال عطاؤه يفيض، وما زال العلماء منه ينهلون.
ومما تدبر فيه العلماء ودرسه الدارسون فواتح السور القرآنية، فبينوا أنواعها، وحصروا أقسامها، وبينوا معانيها، وكشفوا بعض أسرارها.