للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: في دعوى الإجماع، وقد نقل بعض الناس قولين آخرين أنه لا يلزمه به شيء، والثاني أنه يلزمه به كفارة.

* قلت: أما الأول فالجواب عنه أن الطلاق إسقاط حق لا يشترط فيه قصد القربة وفي اللجاج لم يوجد هذا الشرط، ولم يأذن الشرع فيه، وليس للعبيد إيجاب ولا تحريم إلا بإذن الله، وأيضا فإن الدليل قد قام على ما قلناه وهو على وفق الأصل فإن دل دليل على خروج اللجاج عنه بقي ما عداه على الأصل، وأما أن يجعل اللجاج المختلف فيه الخارج عن الأصل أصلا ويلحق به الجاري على وفق الأصل فغير سديد.

* وأما الثاني فإن القول بعدم الوقوع ما قاله أحد من الصحابة ولا من التابعين - إلا أن طاوسا نقل عنه لفظ محتمل لذلك، أولناه (١) - ولا ممن بعدهم إلا الشيعة ومن وافقهم ممن لا يعتد بخلافه، وأما القول بالكفارة في ذلك فلم يثبت عن أحد من المسلمين قبل ابن تيمية وإن كان مقتضى كلام ابن حزم في مراتب الإجماع نقل ذلك إلا أن ذلك مع إبهامه وعدم تعيين قائله ليس فيه أنه في مسألة التعليق فيجوز أن يحمل على غيرها من صور الخلف. . . انتهى.

وقول السبكي بشأن رأي طاوس "أولناه" يريد تأويله في الدرة المضيئة بالإكراه، يقول: ذكره عبد الرزاق في طلاق المكره، وذكر أنه أجاب عنه أجوبة كثيرة غير هذا في بعض مصنفاته كما ذكر أن طاوسا قد صح النقل عنه بخلاف ذلك قال: قد أفتى بوقوع الطلاق في هذه المسألة ونقل ذلك عنه بالسند الصحيح في عدة مصنفات جليلة منها كتاب السنن لسعيد بن منصور ومنها مصنف عبد الرزاق.

* وقال (٢) أيضا بعد ذكر الوارد عن الصحابة في الوقوع قال: " فهذا عصر الصحابة لم ينقل فيه إلا الوقوع، وأما التابعون رضي الله عنهم فأئمة العلم منهم معدودن معروفون وهم الذين تنقل مذاهبهم وفتاويهم ". قال: " وقد نقلنا من الكتب المعروفة الصحيحة كجامع عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور، والسنن الكبرى للبيهقي وغيرها فتاوى التابعين أئمة الاجتهاد وكلهم بالأسانيد الصحيحة أنهم أوقعوا الطلاق بالحنث في اليمين ولم يقضوا بالكفارة وهم سعيد بن المسيب أفضل التابعين والحسن البصري وعطاء، والشعبي وشريح وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وقتادة والزهري وأبو مخلد والفقهاء السبعة فقهاء المدينة وهم عروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعبيد الله بن عبيد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد وأبو بكر بن عبد الرحمن وسالم بن عبد الله بن عمر وسليمان بن يسار وهؤلاء إذا أجمعوا على مسألة كان قولهم مقدما على غيرهم وأصحاب ابن مسعود السادات وهم علقمة والأسود ومسروق وعبيدة السلماني وأبو وائل شقيق بن سلمة وطارق بن شهاب، وزر بن حبيش وغير هؤلاء من التابعين مثل ابن شبرمة وأبي عمرو الشيباني وأبي الأحوص وزيد بن وهب والحكم وعمر بن عبد العزيز وخلاس بن عمر وكل هؤلاء نقلت فتاويهم بإيقاع الطلاق لم يختلفوا في ذلك ومن هم علماء التابعين غير هؤلاء، فهذا عصر الصحابة وعصر التابعين كلهم قائلون بالإيقاع ولم يقل أحد: إن هذا مما يجري به الكفارة


(١) الدرة المضيئة / ١٥
(٢) الدرة المضيئة / ١٨