للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ووقع في حديث أم سلمة طوفي من وراء الناس وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف. وإذا حوط المسجد امتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإن كان لا يحرم التلويث كما في المسعى وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار. وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها. اهـ.

وفي صحيح البخاري بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (١)».

قال العيني: وأخرج مسلم عن أبي الطفيل: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن (٢)»، وروى مسلم عن جابر: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ليراه الناس وليشرف ليسألوه». . . . قال ذكر معناه قوله: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير (٣)». قال ابن بطال استلامه بالمحجن راكبا يحتمل أن يكون لشكوى به. . . إلى أن قال: وقال النووي قال أصحابنا الأفضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر من مرض ونحوه أو كان يحتاج إلى ظهوره ليستفتي ويقتدي به فإن كان لغير عذر جاز بلا كراهة لكنه خلاف لأولى. . . إلى أن قال: وقال مالك وأبو حنيفة: إن طاف راكبا لغير عذر أجزأ ولا شيء عليه وإن كان لغير عذر فعليه دم قال أبو حنيفة وإن كان بمكة أعاد الطواف. اهـ (٤).

وقال السرخسي: وإن طاف راكبا أو محمولا فإن كان لعذر من مرض أو كبر لم يلزمه شيء، وإن كان لغير عذر أعاده ما دام بمكة فإن رجع إلى أهله فعليه الدم عندنا، وعلى قول الشافعي لا شيء عليه لأنه صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للزيارة يوم النحر على ناقته واستلم الأركان بمحجنه (٥).

ولكنا نقول المتوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا الطواف ماشيا، وهذا على قول من يجعله كالصلاة لأن أداء المكتوبة راكبا من غير عذر لا يجوز فكان ينبغي أن لا يعتد بطواف الراكب من غير عذر، ولكنا نقول المشي شرط الكمال فيه فتركه من غير عذر يوجب الدم لما بينا - فأما تأويل الحديث فقد ذكر أبو الطفيل - رحمه الله - أنه طاف راكبا لوجع أصابه وهو أنه وثبت رجله فلهذا طاف راكبا، وذكر أبو الزبير عن جابر أن «النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا لكبر سنه»، وعندنا إذا كان لعذر فلا بأس به وكذلك إذا طاف بين الصفا والمروة محمولا أو راكبا وكذلك لو طاف الأكثر راكبا أو محمولا فالأكثر يقوم مقام الكل على ما بينا. اهـ (٦).

وقال ابن الهمام على قول صاحب الهداية " وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده " كالعرجون وغيره ثم قبل ذلك فعل، لما روى أنه عليه السلام «طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه (٧)».


(١) صحيح البخاري الحج (١٦٠٨)، صحيح مسلم الحج (١٢٧٢)، سنن النسائي المساجد (٧١٣)، سنن أبو داود المناسك (١٨٧٧)، سنن ابن ماجه المناسك (٢٩٤٨).
(٢) صحيح مسلم الحج (١٢٧٥)، سنن أبو داود كتاب المناسك (١٨٧٩)، سنن ابن ماجه المناسك (٢٩٤٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٤٥٤).
(٣) صحيح البخاري الحج (١٦٠٨)، صحيح مسلم الحج (١٢٧٢)، سنن النسائي المساجد (٧١٣)، سنن أبو داود المناسك (١٨٧٧)، سنن ابن ماجه المناسك (٢٩٤٨).
(٤) صحيح البخاري مع شرحه عمدة القاري جـ٦ ص٢٥٢.
(٥) المصدر نفسه
(٦) المبسوط جـ٤ ص٤٥
(٧) صحيح مسلم كتاب الحج (١٢٧٣)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٩٧٥)، سنن أبو داود المناسك (١٨٨٠).