للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه (١)». وهذا يتناول جميع أيمان المسلمين لفظا ومعنى، أما اللفظ فلقوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٢) وقوله: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} (٣) وهذا خطاب للمؤمنين فكل ما كان من أيمانهم فهو داخل في هذا. والحلف بالمخلوقات شرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك (٤)» رواه أهل السنن أبو داود وغيره، فلا تدخل هذه في أيمان المسلمين، وأما ما عقده بالله والله فهو من أيمان المسلمين فيدخل في ذلك، ولهذا لو قال: أيمان المسلمين أو أيمان البيعة تلزمني ونوى دخول الطلاق والعتاق دخل في ذلك كما ذكر ذلك الفقهاء، ولا أعلم فيها نزاعا، ولا يدخل في ذلك الحلف بالكعبة وغيرها من المخلوقات، وإذا كانت من أيمان المسلمين تناولها الخطاب. وأما من جهة المعنى فهو أن الله فرض الكفارة في أيمان المسلمين لئلا تكون اليمين موجبة عليهم ومحرمة عليهم، لا مخرج لهم كما كانوا عليه في أول الإسلام قبل أن تشرع الكفارة لم يكن للحالف مخرج إلا الوفاء باليمين فلو كان من الأيمان ما لا كفارة فيه كانت المفسدة موجودة.

وأيضا فقد قال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} (٥) نهاهم الله أن يجعلوا الحلف بالله مانعا لهم من فعل ما أمر به لئلا يمتنعوا عن طاعته باليمين التي حلفوها فلو كان في الأيمان ما ينعقد ولا كفارة فيه لكان ذلك مانعا لهم من طاعة الله إذا حلفوا به.

وأيضا فقد قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٦) {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} (٧) " والإيلاء " هو الحلف والقسم، والمراد بالإيلاء هنا أن يحلف الرجل أن لا يطأ امرأته، وهو إذا حلف بما عقده بالله كان موليا، وإن حلف بما عقد لله كالحلف بالنذر والظهار والطلاق والعتاق كان موليا عند جماهير العلماء كأبي حنيفة ومالك والشافعي في قوله: الجديد وأحمد.

ومن العلماء من لم يذكر في هذه المسألة نزاعا كابن المنذر وغيره، وذكر عن ابن عباس أنه قال: كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء، والله سبحانه وتعالى قد جعل المولي بين خيرتين إما أن يفيء وإما أن يطلق، والفيئة هي الوطء خير بين الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان، فإن فاء فوطئها حصل


(١) صحيح مسلم الأيمان (١٦٥٠)، سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٠)، موطأ مالك النذور والأيمان (١٠٣٤).
(٢) سورة التحريم الآية ٢
(٣) سورة المائدة الآية ٨٩
(٤) سنن الترمذي النذور والأيمان (١٥٣٤)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (٣٢٥١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٦٩).
(٥) سورة البقرة الآية ٢٢٤
(٦) سورة البقرة الآية ٢٢٦
(٧) سورة البقرة الآية ٢٢٧