للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما ذكرته من النصوص قد استدل به الصحابة وغيرهم من العلماء في هذا الجنس فأفتوا من حلف فقال: إن فعلت كذا فمالي هدي، وعبيدي أحرار، ونحو ذلك بأن يكفر عن يمينه، فجعلوا هذا يمينا مكفرة، وكذلك غير واحد من علماء السلف والخلف جعلوا هذا متناولا للحلف بالطلاق والعتاق وغير ذلك من الأيمان، وجعلوا كل يمين يحلف بها الحالف ففيها كفارة يمين وإن عظمت، وقد ظن طائفة من العلماء أن هذا الضرب فيه شبه من النذر والطلاق والعتاق وشبه من الأيمان وليس كذلك بل هذه أيمان محضة.

وأئمة الفقهاء الذين اتبعوا الصحابة بينوا أن هذه أيمان محضة كما قرر الشافعي وأحمد وغيرهما في الحلف بالنذر، لكن هي أيمان علق الحنث فيها على شيئين:

أحدهما: فعل المحلوف عليه.

والثاني: عدم إيقاع المحلوف به.

فقول القائل: إن فعلت كذا فعلي الحج هذا العام بمنزلة قوله: والله إن فعلت كذا لأحجن هذا العام، وهو لو قال ذلك لم يلزمه كفارة إلا إذا فعل ولم يحج ذلك العام، كذلك إذا قال: إن فعلت كذا فعلي أن أحج هذا العام إنما تلزمه الكفارة إذا فعله ولم يحج ذلك العام، وكذلك إذا قال: إن فعلت كذا فعلي أن أعتق عبيدي أو أطلق امرأتي فإنه لا تلزمه الكفارة إلا إذا فعله ولم يطلق ولم يعتق، ولو قال: والله إن فعلت كذا فوالله لأطلقن امرأتي ولأعتقن عبيدي، وكذلك إذا قال إن فعلت كذا فامرأتي طالق وعبدي حر وهو بمنزلة قوله: والله إن فعلت كذا ليقعن بي الطلاق والعتاق، ولأوقعن الطلاق والعتاق وهو إذا فعله لم تلزمه الكفارة إلا إذا لم يقع به الطلاق والعتاق وإذا لم يوقعه لم يقع؛ لأنه لم يوجد شرط الحنث؛ لأن الحنث معلق بشرطين والمعلق بالشرط قد يكون وجوبا، وقد يكون وقوعا، فإذا قال: إن فعلت كذا فعلي صوم شهر فالمعلق وجوب الصوم، وإذا قال فعبدي حر وامرأتي طالق فالمعلق وقوع العتاق والطلاق وقد تقدم أن الرجل المعلق إن كان قصده وقوع الجزاء عند الشرط وقع، كما إذا كان قصده أن يطلقها إذا برأته من الصداق فقال إن أبرأتيني من صداقك فأنت طالق فهاهنا إذا وجدت الصفة وقع الطلاق.

وأما إذا كان قصده الحلف وهو يكره وقوع الجزاء عند الشرط فهذا حالف كما لو قال: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا.

وأما قول القائل: إنه التزم الطلاق عند الشرط فيلزمه فهذا باطل من أوجه:

أحدها: أن الحالف بالكفر والإسلام كقوله: - إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، وقول الذمي إن فعلت كذا فأنا مسلم - هو التزام للكفر والإسلام عند الشرط، ولا يلزمه ذلك بالاتفاق لأنه لم يقصد وقوعه عند الشرط، بل قصد الحلف به، وهذا المعنى موجود في سائر أنواع الحلف بصيغة التعليق.