تصرف غلات الأحباس بعضها إلى بعض فيما يحتاج إليه عند ابن القاسم، وقال غيره: يجوز صرف ذلك إلى المساجد التي لا أحباس لها، وذلك فيما فضل عما يحتاج إليه، وعلى القول الأول أكثر الرواة، وقال أصبغ وابن الماجشون في العتبية: إن الأحباس كلها إذا كانت لله تعالى جاز أن ينفق بعضها في بعض، والسلف كذلك، فمن أجاز صرف ذلك أجاز السلف، ومن لم يجزه منعه.
وكتب شجرة إلى سحنون في مسجدين أو ثغرين متقاربين من المرابطات: وضع في هذا سلاح وفي هذا سلاح ينتفع به المرابطون فيحتاج أهل أحد الموضعين إلى ما في الآخر لينتفعوا به، ويصرفوه- أن كل موضع أولى بما فيه. وسئل ابن رشد في مسجد جامع تهدمت بلاطة داره وليس في مستقلات أملاكه ما يبنى منه بعد نفقات وقيده وأجرة أئمته وخدمته، وعندنا مساجد قد فضل من غلاتها كثير فهل ترى أن تبنى البلاطات من فضلات هذه المساجد أو أن تؤخذ على السلف إلى أن ترد من غلات المسجد الجامع، فقال: ما كان من المساجد لا يفضل من غلات أحباسها إلا يسير فلا يجوز أن يؤخذ منه شيء لبنيان الجامع؛ مخافة أن تقل الغلة فيما يستقبل فلا تقوم بما يحتاج إليه، وما كان منها يفضل من غلاتها كثير حتى يؤمن احتياج المسجد إليها فيما يستقبل فجائز أن يبنى ما انهدم من الجامع بما إذا لم يكن في غلات أحباسه ما يبنى به ما انهدم منه على ما أجازه من تقدم من العلماء.