للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تستقل بتصنيع آلاته، فهو بحاجة إلى معاونة إخوانه ليحصل على قوت ويحتمي من حر ويتقي من قر ويدفع العدو والصائل.

إذن فالاجتماع والتعاون والتضامن ضروري لنوع الإنسان؛ لتتحقق الحياة على وجهها، ويهنأ له العيش، ويتمكن من القيام بمهمة الاستخلاف وعمارة الأرض بمقتضى قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (١)، وقوله سبحانه: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (٢)، وقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (٣) (٤).

ولا مانع من الإشارة في هذا المقام إلى ما قد وضع الله في بعض مخلوقاته من غير بني آدم مما يشير إلى تعاون قد فطرت عليه، فقد أعطى ربنا كل شيء خلقه ثم هدى. مخلوقات جعل الله في فطرتها نوع تعاون إما لتأمين غذائها أو الدفاع عن نفسها وجماعتها، ويظهر ذلك في جنسي النمل والنحل.

فقد شوهد أن النمل إذا عثر على عسل في وعاء، ولم يتمكن من الوصول إليه مباشرة؛ لوجود ماء أو سائل يحول بينه وبين هذا العسل، فإنه يتعاون بطريقة فدائية انتحارية؛ فتتقدم فرق


(١) سورة هود الآية ٦١
(٢) سورة الزخرف الآية ٣٢
(٣) سورة الأنعام الآية ١٦٥
(٤) راجع في هذا المعنى: (مقدمة ابن خلدون) ص (٤١ - ٤٣).