للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما قوله: {رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} (١) فليس المقصود منه أن يقول هارون عليه السلام: هو صادق بمجرد لسانه؛ لأن ذلك يستوي فيه الفصيح وذو الفهاهة (٢)، وإنما يكون مصدقا بما عرف عن هذا الردء والمعين من العقل والرزانة وقوة الحجة والبيان، فيحصل ببيانه وقوة موقفه الخضوع والانقياد والتسليم ورد الخصوم المجادلين. فالمصدق يبسط بلسانه ويفصح ببيانه ويجادل أهل الباطل، ولهذا قال موسى عليه السلام في ذات السياق في مسوغات الترشيح: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} (٣) (٤).

ويزيد المقصود وضوحا استحضار موقف الصديق أبي بكر رضي الله عنه في حادثة الإسراء، حين أصبح النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يخبر قريشا بالحادثة، فكذبه أكثر الناس وارتدت طائفة بعد إسلامها، ولما جاء أبو بكر رضي الله عنه وبادرته قريش بعجبها واستنكارها بادرها بالمواجهة الصارمة العاقلة الصادقة: «إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشية أفلا أصدقه في بيت المقدس (٥)».

يقابل موقف الصديق هذا الموقف المعاكس، حين يبتلى رجل الدعوة برفيق مكذب مخذل يسعى في تحويل المحاسن إلى


(١) سورة القصص الآية ٣٤
(٢) ذو الفهاهة: العيي في الكلام، ثقيل اللسان فيه. المعجم الوسيط ج (٢) ص (٧٠٤).
(٣) سورة القصص الآية ٣٤
(٤) محاسن التأويل ج (٨) ص (١٠٥).
(٥) القصة في الصحيحين وراجع ابن كثير ج (٣) ص (٢٤).