للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونرى أن القرطبي في كلمته هذه فرق بين القتل وبين قبول التوبة، فإذا تاب رفع عنه القتل، ولكن تحقيق التوبة ودخوله في زمرة المؤمنين لا يكون إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، أي أن يحقق القول الفعل، وإذا كانت هذه تصورات السابقين من رجالات التفسير، فيطيب لنا أن نتعرف على أقوال بعض المعاصرين بالنسبة للآية التي معنا.

يقول سيد قطب:

" لقد كانت هنالك وراءهم اثنتان وعشرون سنة من الدعوة والبيان، ومن إيذائهم للمسلمين، وفتنتهم عن دينهم، ومن حرب للمسلمين وتأليب على دولتهم، ثم من سماحة هذا الدين ورسوله وأهله معهم، وإنه لتاريخ طويل، ومع هذا كله فقد كان الإسلام يفتح لهم ذراعيه؛ فيأمر الله نبيه والمسلمين الذين أوذوا وفتنوا وحوربوا وشردوا وقتلوا. . كان يأمرهم أن يكفوا عن المشركين إن هم اختاروا التوبة إلى الله تعالى، والتزموا شعائر الإسلام التي تدل على اعتناقهم هذا الدين، واستسلامهم له وقيامهم بفرائضه، وذلك أن الله لا يرد تائبا مهما تكن خطاياه: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١).

ثم يقول: [ما جاء في الآية، هو نص كان يواجه واقعا في مشركي الجزيرة يومذاك، فما كان أحدهم ليعلن توبته، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا وهو يعني الإسلام كله، ويعني استسلامه له ودخوله فيه، فنصت الآية على التوبة، وإقامة الصلاة، وإيتاء


(١) سورة التوبة الآية ٩٩