للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" استثنى الله تعالى التائبين الصالحين لأعمالهم وأقوالهم المنيبين لتوبتهم، ولا يكفي في التوبة عند علمائنا قول القائل: قد تبت، حتى يظهر منه في الثاني خلاف الأول، فإن كان مرتدا رجع إلى الإسلام مظهرا شرائعه، وإن كان من أهل المعاصي ظهر منه العمل الصالح، وجانب أهل الفساد والأحوال التي كان عليها، وإن كان من أهل الأوثان جانبهم وخالط أهل الإسلام، وهكذا يظهر عكس ما كان عليه " (١).

إن الإمام القرطبي وضع نصب عينيه عند تفسيره لهذه الآية أن التوبة إسلام جديد، والإسلام كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يجب ما قبله (٢). فهو يرى أن التائب يعود إنسانا جديدا في كل تصرفاته وأحواله، ينسلخ من جهالته الأولى ليكون المؤمن التقي الورع الذي يخاف الله ويخشاه، ويجعل بينه وبين حياته الأولى وتصرفاته السابقة سدا منيعا من الحصانة والوقاية وخشية الله تعالى في السر والجهر.

فإذا تركنا الإمام القرطبي، واتجهنا إلى العالم المعاصر ابن عاشور، فنراه يتأثر بما قاله ابن مسعود: إن الآية خاصة بمن تاب من اليهود.

فنراه يقول: " وشرط للتوبة أن يصلحوا ما كانوا أفسدوا، وهو بإظهار ما كتموه وأن يبينوه للناس، فلا يكفي اعترافهم وحدهم، أو في خلواتهم، فالتوبة هنا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنه


(١) تفسير القرطبي، ٢/ ١٨٧
(٢) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند، ٤/ ١٩٩، ٢٠١، ٢٠٥