للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتركوا أذاهما وتعييرهما، وإنما كان هذا قبل نزول الحدود.

فلما نزلت الحدود نسخت هذه الآية، وليس المراد بالإعراض الهجرة، ولكنها متاركة معرض، وفي ذلك احتقار لهم بسبب المعصية المتقدمة، وبحسب الجهالة في الآية الأخرى.

والله تواب أي: راجع بعباده عن المعاصي (١).

لقد جلى القرطبي الآية ووضحها وأزال ما وقع فيه العلماء من لبس وتخبط لا يسنده دليل، ولا يؤيده نص، ومع هذه التجلية جاء في النهاية وأيد ما قاله العلماء من نسخ هذه الآية، ولكنه لم يوضح لنا العقوبة الواقعة على الرجلين اللذين يأتيان هذه الفاحشة المنكرة بعد نزول الحدود.

وإذا كان هذا ما قاله صاحب الجامع لأحكام القرآن في القرن السابع الهجري، فماذا يمكن أن يضيفه صاحب الظلال في القرن الخامس عشر للهجرة؟ يقول سيد قطب في قوله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (٢) فالتوبة والإصلاح -كما سيأتي- تعديل أساسي في الشخصية والكينونة والوجهة والطريق والعمل والسلوك، ومن ثم تقف العقوبة، وتكف الجماعة عن إيذاء المنحرفين الشاذين، وهذا هو الإعراض عنهما في هذا الموضوع، أي: الكف عن الإيذاء. . {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (٣) وهو الذي شرع العقوبة، وهو الذي يأمر بالكف عنها عند التوبة والإصلاح، ليس


(١) راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ٥/ ٨٦، ٩٠.
(٢) سورة النساء الآية ١٦
(٣) سورة النساء الآية ١٦