للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم، هذا من أبطل الباطل؛ فعلم بذلك أنه المبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله، وقال في آية أخرى في سورة النحل: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (١)، فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه. فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه صلى الله عليه وسلم الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه؛ فدل ذلك على أن سنته لازمة الاتباع، وواجبة الاتباع.

وليس هذا خاصا بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم، بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لأهل زمانه ولمن يأتي بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فهو رسول الله إلى الناس عامة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٢)، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (٣)، فهو رسول الله إلى جميع العالم: الجن والإنس، العرب والعجم، الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين، الرجال والنساء، إلى يوم


(١) سورة النحل الآية ٦٤
(٢) سورة الأنبياء الآية ١٠٧
(٣) سورة سبأ الآية ٢٨