وبدأنا في الدراسة نسمع مختلف الآراء في نشأة الدين، ومختلف الآراء في تفسير النبوة وينتهي الأمر برأي الأستاذ في الموضوع.
وليس في هذه الآراء- على اختلافها وتعددها- ما يتجه إلى أن الدين وحي من السماء أو أن النبي- أي نبي - موصول الأسباب بالسماء، وإذا انتظرنا من ذلك الأستاذ أن يصحح الوضع. فيدلي في النهاية برأيه مثبتا الألوهية والنبوة هادما للآراء الأخرى واصفا لها: بأنها ضلال.
إذا انتظرنا ذلك منه فإننا نكون واهمين، فإنه واحد من هؤلاء العشرات من الأساتذة في هذه المواد وما شابهها المنغمسين في تيار المادية.
لقد فسرت الجامعات الأوروبية العلم على أنه القواعد التي تقوم على التجربة والملاحظة. والتزمت أن تفسر وأن تشرح علم الاجتماع وعلم النفس وجميع الظواهر في الآفاق، وفي الأنفس، على هذا الأساس، والتزمت ذلك أيضا في تاريخ الأديان.
هذه العلوم بالذات وفروعها تتكاتف لتقود الإنسان متعاونة متساندة إلى الإلحاد.
إن للدين- فيما يزعمون- نشأة إنسانية اجتماعية، - وإن للخلق - فيما يروون- نشأة إنسانية واجتماعية، وقد تواضع الناس على سلوك معين سموه: " فضيلة " وعلى سلوك آخر سموه: " رذيلة ".
ودراسة الدين والأخلاق إذن تتجه إلى النشأة والمظاهر وعوامل التطور وظواهر التطور. . وليس للوحي في الدراسة من نصيب اللهم إلا الوصف لظاهرة نشأت في المجتمع.
وكل الظواهر والمظاهر في هذه الدراسات اعتبارية نسبية متبدلة لا تثبت على حال، ولا تستقر على وضع، لأنها في كل يوم تتبدل حالا بحال. .
وهذه الأفكار تتكرر في هذه المواد: تسمعها في علم الاجتماع، وتسمعها في علم النفس، وتسمعها في دراسة مادة الأخلاق، وتسمعها في دراسة تاريخ الأديان، وتسمعها في دراسة العلوم المتفرعة من كل ذلك.
والشاب الذي انتقل من الأقسام الثانوية إلى الجامعة يتأثر بأستاذه، فإذا كان الأساتذة متكاتفين على هدم القيم الثابتة، والمثل العليا التي يقررها الدين، وتقررها الأخلاق، إ ذا كان الأمر كذلك فإن الطالب الذي يعيش في أجواء تتعاون كلها على هدم عقائده ومثله وقيمه ينتهي به الأمر- في الأغلب الأعم من الحالات- بأن تنهار هذه القيم في شعوره.
ومن هنا كانت الظاهرة التي تجدها في طلبة الجامعات في أوربا من الاستخفاف بكثير من العقائد وبكثير من القيم وينتهي الطالب بالإلحاد، أو على أقل تقدير بالإيمان الكامن الذي لا فاعلية له، ولا تأثير في سلوك الإنسان.